ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه لما صرح بأحوال المنافقين ، واتصل بذلك أمر المحاربة وما يتعلق بها من الأحكام الشرعية ، رجع إلى أحوال المنافقين ، فإنهم خانوا الرسول على ما لا ينبغي ، فأطلعه الله على ذلك وأمره أن لا يلتفت إليهم ، وكان بشير منافقا ويهجو الصحابة وينحل الشعر لغيره ، وأما طعمة فارتد ، وأنه لما بين الأحكام الكثيرة عرف أنّ كلها من الله ، وأنه ليس للرسول أن يحيد عن شيء منها طلبا لرضا قوم. أو أنه لما أنه يجاهد الكفار ، أنه لا يجوز إلحاق ما لم يفعلوا بهم ، وأنّ كفره لا يبيح المسامحة في النظر إليه ، بل الواجب في الدين أن يحكم له وعليه بما أنزل الله ، ولا يلحق به حيف لأجل أن يرضي المنافق.
والكتاب هنا القرآن. ومعنى بالحق : أي لا عوج فيه ولا ميل. والناس هنا عام ، وبما أراك الله بما أعلمك من الوحي. وقيل : بالنظر الصحيح فإنه محروس في اجتهاده ، معصوم في الأقوال والأفعال. وقيل : بما ألقاه في قلبك من أنوار المعرفة وصفاء الباطن. وعن عمر : «لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله ، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه ، لأن الرأي كان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصيبا ، لأن الله تعالى كان يريه إياه ، وهو منا الظن والتكليف دون الإهمال ، أو بماله عاقبة حميدة ، لأن ما ليس كذلك عبث وباطل». وقال الماتريدي : بالحق أي : موافقا لما هو الحق على العباد ، ولما لبعضهم على بعض ليعلموا بذلك ، أو بيانا لأمره. وحق كائن ثابت وهو البعث والقيامة ، ليتزودوا له. أو بما يحمل عليهم فاعله ، أو بالعدل والصدق على الأمن من التغيير والتبديل. بما أراك الله : فيه دليل جواز اجتهاده ، واجتهاده كالنص ، لأن الله تعالى أخبر أنه يريه ذلك أو لا يريه غير الصواب انتهى كلامه.
(وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) أي : مخاصما ، كجليس بمعنى مجالس ، قاله : الزجاج والفارسي وغيرهما. ويحتمل أن يكون للمبالغة من خصم ، والخائنون جمع. فإنّ بني أبيرق الثلاثة هم الذين نقبوا المشربة ، فظاهر إطلاق الجمع عليهم وإن كان وحده هو الرّجل الذي خان في الدرع أو سرقها ، فجاء الجمع باعتباره واعتبار من شهد له بالبراءة من قومه كأسيد بن عروة ومن تابعه ممن زكاه ، فكانوا شركاء له في الإثم ، خصوصا من يعلم أنه هو السارق. أو جاء الجمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته ، فلا يخاصم لخائن قط ، ولا يحاول عنه. وخصيما يحتاج متعلقا محذوفا أي البراء. والبريء مختلف فيه حسب الاختلاف في السبب : أهو اليهودي الذي دفع إليه طعمة الدّرع وهو زيد بن السمين ، أو أبو مليك الأنصاري؟ وهو الذي ألقى طعمة الدرع في داره لما خاف الافتضاح ، أو لبيد بن