(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) المحاجة مفاعلة من اثنين مختلفين في حكمين يدلي كل منهما بحجته على صحة دعواه ، والمعنى وحاجه قومه في توحيد الله ونفى الشركاء عنه منكرين لذلك ومحاجة مثل هؤلاء إنما هي بالتمسك باقتفاء آبائهم تقليدا وبالتخويف من ما يعبدونه من الأصنام كقول : قوم هود (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) (١) فأجابهم بأن الله قد هداه بالبرهان القاطع على توحيده ورفض ما سواه وأنه لا يخاف من آلهتهم ، وقرأ نافع وابن عامر بخلاف عن هشام (أَتُحاجُّونِّي) بتخفيف النون وأصله بنونين الأولى علامة الرفع والثانية نون الوقاية والخلاف في المحذوف منهما مذكور في علم النحو ، وقد لحن بعض النحويين من قرأ بالتخفيف وأخطأ في ذلك ، وقال مكي : الحذف بعيد في العربية قبيح مكروه وإنما يجوز في الشعر للوزن والقرآن لا يحتمل ذلك فيه إذ لا ضرورة تدعو إليه وقول مكي ليس بالمرتضى ، وقيل : التخفيف لغة لغطفان ، وقرأ باقي السبعة بتشديد النون أصله أتحاجونني فأدغم هروبا من استثقال المثلين متحركين فخفف بالإدغام ولم يقرأ هناك بالفك وإن كان هو الأصل ويجوز في الكلام ، و (فِي اللهِ) متعلق بأتحاجوني لا بقوله (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) والمسألة من باب الإعمال إعمال الثاني فلو كان متعلقا بالأول لأضمر في الثاني ونظير (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (٢) والجملة من قوله (وَقَدْ هَدانِ) حالية أنكر عليهم أن تقع منهم محاجة له وقد حصلت من الله له الهداية لتوحيده فمحاجتهم لا تجدي لأنها داحضة.
(وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) حكي أن الكفار قالوا لإبراهيم عليهالسلام : أما خفت أن تصيبك آلهتنا ببرص أو داء لإذايتك لها وتنقيصك فقال لهم : لست أخاف الذي تشركون به لأنه لا قدرة له ولا غنى عنده و (ما) بمعنى الذي والضمير في (بِهِ) عائد عليه أي الذي تشركون به الله تعالى ، ويجوز أن يعود على الله أي الذين تشركونه بالله في الربوبية و (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي) قال ابن عطية استثناء ليس من الأول ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضرا استثنى مشيئة ربه تعالى في أن يريد بضر انتهى ، فيكون استثناء منقطعا وبه قال الحوفي فيصير المعنى لكن مشيئة الله إياي بضر أخاف وقال الزمخشري (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي) إلا وقت مشيئة ربي شيئا يخاف فحذف الوقت يعني لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا على مضرة إلا أن يشاء ربي أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقة من الشمس والقمر ، أو يجعلها قادرة على
__________________
(١) هود : ١١ / ٥٤.
(٢) النساء : ٤ / ١٧٦.