لسياق الآية ونوّن درجات الكوفيون وأضافها الباقون ونصبوا المنون على الظرف أو على أنه مفعول ثان ، ويحتاج هذا القول إلى تضمين نرفع معنى ما يعدّي إلى اثنين أي نعطي من نشاء درجات.
(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي (حَكِيمٌ) في تدبير عباده (عَلِيمٌ) بأفعالهم أو (حَكِيمٌ) في تقسيم عباده إلى عابد صنم وعابد الله (عَلِيمٌ) بما يصدر بينهم من الاحتجاج ، ويحتمل أن يكون الخطاب في (إِنَّ رَبَّكَ) للرسول ويحتمل أن يكون المراد به إبراهيم فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب.
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ إِسْحاقَ) ابنه لصلبه من سارة (يَعْقُوبَ) ابن إسحاق كما قال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (١) ، وعدد تعالى نعمه على إبراهيم فذكر إيتاءه الحجة على قومه ، وأشار إلى رفع درجاته وذكر ما منّ به عليه من هبته له هذا النبي الذي تفرعت منه أنبياء بني إسرائيل ، ومن أعظم المنن أن يكون من نسل الرجل الأنبياء والرسل ولم يذكر إسماعيل مع إسحاق. قيل : لأن المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب ولم يخرج من صلب إسماعيل نبي إلا محمد صلىاللهعليهوسلم ولم يذكره في هذا المقام لأنه أمره عليهالسلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله بأن جدّهم إبراهيم لما كان موحدا لله متبرئا من الشرك رزقه الله أولا ملوكا وأنبياء ، والجملة من قوله : (وَوَهَبْنا) معطوفة على قوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا) عطف فعلية على اسمية ، وقال ابن عطية : (وَوَهَبْنا) عطف على (آتَيْناها) انتهى. ولا يصح هذا لأن (آتَيْناها) لها موضع من الإعراب إما خبر. وإما حال ولا يصح في (وَوَهَبْنا) شيء منهما.
(كُلًّا هَدَيْنا) أي كل واحد من إسحاق ويعقوب هدينا.
(وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) لما ذكر شرف أبناء إبراهيم ذكر شرف آبائه فذكر نوحا الذي هو آدم الثاني وقال : (مِنْ قَبْلُ) تشبيها على قدمه وفي ذكره لطيفة وهي أن نوحا عليهالسلام عبدت الأصنام في زمانه ، وقومه أول قوم عبدوا الأصنام ووحد هو الله تعالى ودعا إلى عبادته ورفض تلك الأصنام وحكى الله عنه مناجاته لربه في قومه حيث قالوا : (لا تَذَرُنَّ
__________________
(١) هود : ١١ / ٧١.