القرآن وإنما جمع هؤلاء الأربعة لأنهم لم يبق لهم من الخلق أتباع ولا أشياع فهذه مراتب ست : مرتبة الملك والقدرة ذكر فيها داود وسليمان ، ومرتبة البلاء الشديد ، ذكر فيها أيوب ، ومرتبة الجمع بين البلاء والوصول إلى الملك ذكر فيها يوسف ، ومرتبة قوة البراهين والمعجزات والقتال والصولة ذكر فيها موسى وهارون ، ومرتبة الزهد الشديد والانقطاع عن الناس للعبادة ذكر فيها زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، ومرتبة عدم الاتباع ذكر فيها إسماعيل واليسع ويونس ولوطا ، وهذه الأسماء أعجمية لا تجر بالكسرة ولا تنون إلا اليسع فإنه يجر بها ولا ينون وإلا لوطا فإنه مصروف لخفة بنائه بسكون وسطه ، وكونه مذكرا وإن كان فيه ما في إخوته من مانع الصرف وهو العلمية والعجمة الشخصية وقد تحاشى المسلمون هذا الاسم الشريف ، فقلّ من تسمى به منهم كأبي مخنف لوط بن يحيى ، ولوط النبي هو لوط بن هارون بن آزر وهو تارخ وتقدّم رفع نسبه.
(وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) فيه دلالة على أن الأنبياء أفضل من الأولياء خلافا لبعض من ينتمي إلى الصوف في زعمهم أن الولي أفضل من النبي كمحمد بن العربي الحاتمي صاحب كتاب الفتوح المكية وعنقاء مغرب وغيرهما من كتب الضلال ، وفيه دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة لعموم العالمين وهم الموجودون سوى الله تعالى فيندرج في العموم الملائكة. قال ابن عطية : معناه عالمي زمانهم.
(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) المجرور في موضع نصب. فقال الزمخشري : عطفا على (كلًّا) بمعنى وفضلنا بعض آبائهم ، وقال ابن عطية : وهدينا (مِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) جماعات فمن للتبعيض والمراد من آمن نبيا كان أو غير نبي ويدخل عيسى في ضمير قوله : (وَمِنْ آبائِهِمْ) ولهذا قال محمد بن كعب : الخال والخالة انتهى ، (وَمِنْ آبائِهِمْ) كآدم وإدريس ونوح وهود وصالح (وَذُرِّيَّاتِهِمْ) كذرية نوح عليهالسلام المؤمنين (وَإِخْوانِهِمْ) كإخوة يوسف ذكر الأصول والفروع والحواشي.
(وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الظاهر عطف (وَاجْتَبَيْناهُمْ) على (فَضَّلْنا) أي اصطفيناهم وكرر الهداية على سبيل التوضيح للهداية السابقة ، وأنها هداية إلى طريق الحق المستقيم القويم الذي لا عوج فيه وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الشرك.
(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي ذلك الهدى إلى الطريق المستقيم