المطلوب ، والكتاب هنا التوراة وانتصب (نُوراً وَهُدىً) على الحال والعامل (أَنْزَلَ) أو (جاءَ).
(تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) التاء قراءة الجمهور في الثلاثة ، وظاهره أنه لبني إسرائيل والمعنى : (تَجْعَلُونَهُ) ذا (قَراطِيسَ) ، أي أوراقا وبطائق ، (وَتُخْفُونَ كَثِيراً) كإخفائهم الآيات الدالة على بعثة الرسول وغير ذلك من الآيات التي أخفوها ، وأدرج تعالى تحت الإلزام توبيخهم وإن نعى عليهم سوء حملهم لكتابهم وتحريفهم وإبداء بعض وإخفاء بعض ، فقيل : جاء به موسى وهو نور وهدى للناس فغيرتموه وجعلتموه قراطيس وورقات لتستمكنوا مما رمتم من الإبداء والإخفاء ، وتتناسق قراءة التاء مع قوله : (عُلِّمْتُمْ) ومن قال : إن المنكرين العرب أو كفار قريش لم يمكن جعل الخطاب لهم ، بل يكون قد اعترض بني إسرائيل فقال : خلال السؤال والجواب : تجعلونه أنتم يا بني إسرائيل قراطيس ومثل هذا يبعد وقوعه لأن فيه تفكيكا لنظم الآية وتركيبها ، حيث جعل الكلام أولا خطابا مع الكفار وآخرا خطابا مع اليهود وقد أجيب بأن الجميع لما اشتركوا في إنكار نبوة الرسول ، جاء بعض الكلام خطابا للعرب وبعضه خطابا لبني إسرائيل ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة في الثلاثة.
(وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) ظاهره أنه خطاب لبني إسرائيل مقصود به الامتنان عليهم وعلى آبائهم ، بأن علموا من دين الله وهداياته ما لم يكونوا عالمين به لأن آباءهم كانوا علموا أيضا وعلم بعضهم وليس كذلك آباء العرب ، أو مقصود به ذمهم حيث لم ينتفعوا به لإعراضهم وضلالهم ، وقيل : الخطاب للعرب ، قاله مجاهد ذكر الله منته عليهم أي علمتم يا معشر العرب من الهدايات والتوحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين (وَلا آباؤُكُمْ) وقيل : الخطاب لمن آمن من اليهود ، وقيل : لمن آمن من قريش وتفسير (ما لَمْ تَعْلَمُوا) يتخرج على حسب المخاطبين التوراة أو دين الإسلام وشرائعه أو هما أو القرآن ، قال الزمخشري : الخطاب لليهود أي علمتم على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم مما أوحي إليه (ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ) وأنتم حملة التوراة ولم يعلمه آباؤكم الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم أن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ، وقيل : الخطاب لمن آمن من قريش (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (١) انتهى.
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٦.