عمرو (وَمُسْتَوْدَعٌ) بكسر الدال اسم فاعل ، قال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء والنخعي والضحاك وقتادة والسدّي وابن زيد : مستقر في الرّحم (وَمُسْتَوْدَعٌ) في الصلب ، وقال ابن بحر : عكسه قال والمعنى فذكّر وأنّث عبر عن الذكر بالمستقر لأن النطفة إنما تتولد في صلبه وعبر عن الأنثى بالمستودع لأن رحمها مستودع للنطفة ، وقال ابن مسعود : إن المستقر في الرّحم والمستودع في القبر ، وروي عن ابن عباس المستقر في الأرض والمستودع في الأصلاب وعنه كلاهما في الرّحم ، وعنه المستقر حيث يأوي والمستودع حيث يموت وعنه المستقر من خلق والمستودع من لم يخلق ، وقال مجاهد : المستقر في الدّنيا والمستودع عند الله ، وقيل : كلاهما في الدّنيا ، وقيل : المستقر الجنة والمستودع النار. وقيل : مستقر في الآخرة بعمله (وَمُسْتَوْدَعٌ) في أصله ينتقل من حال إلى حال ومن وقت إلى وقت إلى انتهاء أجله انتهى ، والذي يقتضيه النظر أن الاستقرار والاستيداع حالان يعتوران على الإنسان من الظهر إلى الرحم إلى الدنيا إلى القبر إلى الحشر إلى الجنة أو إلى النار ، وفي كل رتبة يحصل له استقرار واستيداع استقرار بالإضافة إلى ما قبلها واستيداع بالإضافة إلى ما بعدها ولفظ الوديعة يقتضي الانتقال.
(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) لما كان الاهتداء بالنجوم واضحا ختمه بقوله : (يَعْلَمُونَ) أي من له أدنى إدراك ينتفع بالنظر في النجوم وفائدتها ، ولما كان الإنشاء من نفس واحدة والتصريف في أحوال كثيرة يحتاج إلى فكر وتدقيق نظر ختمه بقوله : (يَفْقَهُونَ) إذ الفقه هو استعمال فطنة ودقة نظر وفكر فناسب ختم كل جملة بما يناسب ما صدّر به الكلام.
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) لما ذكر إنعامه تعالى بخلقنا ذكر إنعامه علينا بما يقوم به أودنا ومصالحنا والسماء هنا السحاب ، والظاهر أن المعنى بنبات كل شيء ما يسمى نباتا في اللغة وهو ما ينمو من الحبوب والفواكه والبقول والحشائش والشجر ومعنى (كُلِّ شَيْءٍ) مما ينبت وأشار إلى أن السبب واحد والمسببات كثيرة كما قال تعالى : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (١). وقال الطبري : (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) جميع ما ينمو من الحيوان والنبات والمعادن وغير ذلك ، لأن ذلك كله يتغذى وينمو بنزول الماء من السماء ، وقال الفراء : معناه رزق كل شيء أي ما
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٤.