(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) نزه ذاته عن تجويز المستحيلات عليه والتعالي هنا هو الارتفاع المجازي ومعناه أنه متقدّس في ذاته عن هذه الصفات قيل : وبين (سُبْحانَهُ وَتَعالى) فرق من جهة أن سبحان مضاف إليه تعالى فهو من حيث المعنى منزه و (تَعالى) فيه إسناد التعالي إليه على جهة الفاعلية فهو راجع إلى صفات الذات سواء سبحه أحد أم لم يسبحه.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تقدّم تفسيره في البقرة.
(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) أي كيف يكون له ولد؟ وهذه حاله أي إن الولد إنما يكون من الزوجة وهو لا زوجة له ولا ولد ، وقرأ النخعي : ولم يكن بالياء ووجه على أن فيه ضميرا يعود على الله أو على أن فيه ضمير الشأن ، والجملة في هذين الوجهين في موضع خبر (تَكُنْ) أو على ارتفاع (صاحِبَةٌ) بتكن وذكر للفصل بين الفعل والفاعل كقوله :
لقد ولد الأخيطل أم سوء
وحضر للقاضي امرأة.
وقال ابن عطية : وتذكيرها وأخواتها مع تأنيث اسمها أسهل من ذلك في سائر الأفعال. انتهى ، ولا أعرف هذا عن النحويين ، ولم يفرقوا بين كان وغيرها والظاهر ارتفاع بديع على أنه خبر مبتدأ أي هو بديع فيكون الكلام جملة واستقلال الجملة بعدها ، وجوزوا أن يكون بديع مبتدأ والجملة بعده خبره فيكون انتفاء الولدية من حيث المعنى بجهتين : إحداهما : انتفاء الصاحبة ، والأخرى : كونه بديعا أي عديم المثل ومبدعا لما خلق ومن كان بهذه الصفة لا يمكن أن يكون له ولد لأن تقدير الولدية وتقدير الإبداع ينافي الولدية ، وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد ، وقرأ المنصور : بديع بالجر ردا على قوله : (جَعَلُوا لِلَّهِ) أو على (سُبْحانَهُ). وقرأ صالح الشامي : (بَدِيعُ) بالنصب على المدح.
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) قيل : هذا عموم معناه الخصوص أي وخلق العالم فلا تدخل فيه صفاته ولا ذاته كقوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ولا تسع إبليس ولا من مات كافرا وتدمر كل شيء ولم تدمر السموات والأرض ، قال ابن عطية : ليس هو عموما مخصصا على
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٦.