وقال القفال : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يراد ما يتعلق بالدين كما قال تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) (١) وعلى هذا التقدير : وأطلعك على أسرار الكتاب والحكمة ، وعلى حقائقهما ، مع أنك ما كنت عالما بشيء ، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك ، لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك ولا على استزلالك. الثاني : ما لم تكن تعلم من أخبار القرون السالفة ، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين وكيدهم ما لا يقدر على الاحتراز منه انتهى. وفيه بعض تلخيص. والظاهر العموم ، فيشمل جميع ما ذكروه. فالمعنى : الأشياء التي لم تكن تعلمها. لولا إعلامه إياك إياها.
(وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) قيل : المنة بالإيمان. وقال أبو سليمان : هو ما خصه به تعالى. وقال أبو عبد الله الرازي : هذا من أعظم الدلائل على أنّ العلم أشرف الفضائل والمناقب. وذلك أنّ الله تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا قليلا ، ونصيب الشخص من علوم الخلائق يكون قليلا ، ثم إنه سمى ذلك القليل عظيما.
وتضمنت هذه الآيات أنواعا من الفصاحة والبيان والبديع. منها الاستعارة في : وإذا ضربتم في الأرض ، وفي : فيميلون استعار الميل للحرب. والتكرار في : جناح ولا جناح لاختلاف متعلقهما ، وفي : فلتقم طائفة : ولتأت طائفة ، وفي : الحذر والأسلحة ، وفي : الصلاة ، وفي : تألمون ، وفي : اسم الله. والتجنيس المغاير في : فيميلون ميلة ، وفي : كفروا إن الكافرين ، وفي : تختانون وخوانا ، وفي : يستغفروا غفورا. والتجنيس المماثل في : فأقمت فلتقم ، وفي : لم يصلوا فليصلوا ، وفي : يستخفون ولا يستخفون ، وفي : جادلتم فمن يجادل ، وفي : يكسب ويكسب ، وفي : يضلوك وما يضلون ، وفي : وعلمك وتعلم. قيل : والعام يراد به الخاص في : فإذا قضيتم الصلاة ظاهره العموم ، وأجمعوا على أن المراد بها صلاة الخوف خاصة ، لأن السياق يدل على ذلك ، ولذلك كانت أل فيه للعهد انتهى. وإذا كانت أل للعهد فليس من باب العام المراد به الخاص ، لأن أل للعموم وأل للعهد فهما قسيمان ، فإذا استعمل لأحد القسيمين فليس موضوعا للآخر. والإبهام في قوله : بما أراك الله وفي : ما لم تكن تعلم. وخطاب عين ويراد به غيره وفي : ولا تكن للخائنين خصيما فإنه صلىاللهعليهوسلم محروس بالعصمة أن يخاصم عن المبطلين. والتتميم في قوله : وهو معهم للإنكار عليهم والتغليظ لقبح فعلهم لأن حياء الإنسان ممن يصحبه أكثر من حيائه وحده ،
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٥٢.