(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) الظاهر : أنّ الضمير في منهم عائد على بني ظفر المجادلين والذابين عن بني أبيرق. أي : فلولا عصمته وإيحاؤه إليك بما كتموه ، لهموا بإضلالك عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل ، مع علمهم بأنّ الجاني هو صاحبهم. فقد روي أنّ ناسا منهم كانوا يعلمون حقيقة القصة ، هذا فيه بعض كلام الزمخشري ، وهو قول ابن عباس من رواية السائب : أنها متعلقة بقصة طعمة وأصحابه ، حيث لبسوا على الرسول أمر صاحبهم.
وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في وفد ثقيف قدموا على الرسول صلىاللهعليهوسلم قالوا : جئناك نبايعك على أن لا نحشر ولا نعشر ، وعلى أن تمتعنا بالعزى سنة ، فلم يجبهم فنزلت. وقال ابن عطية : وفق الله نبيه على مقدار عصمته له ، وأنها بفضل من الله ورحمته. وقوله تعالى : لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه ، وهذا يدل على أنّ الألفاظ عامة في غير أهل النازلة ، وإلا فأهل الغضب لبني أبيرق ، وقد وقع همهم وثبت. والمعنى : ولولا عصمة الله لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك ويجعله همّ نفسه ، كما فعل هؤلاء ، لكن العصمة تبطل كيد الجمع انتهى. والظاهر القول الأول كما ذكرنا ، إلا أن الهمّ يحتاج إلى قيد أي : لهمت طائفة منهم هما يؤثر عندك. ولا بد من هذا القيد ، لأنهم هموا حقيقة أعني : المجادلين عن بني أبيرق ، أو يخصّ الضلال عن الدين فإنّ الهم بذلك أي : لهموا بإضلالك عن شريعتك ودينك ، وعصمة الله إياك منعتهم أن يخطروا ذلك ببالهم. وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي : وبال ما أقدموا عليه من التعاون على الإثم والبهت ، وشهادة الزور ، إنما هو يخصهم. وما يضرونك من شيء من تدل على العموم نصا أي : لا يضرونك قليلا ولا كثيرا. قال القفال : وهذا وعد بالعصمة في المستقبل.
(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) الكتاب : هو القرآن. والحكمة تقدّم تفسيرها والمعنى : إنّ من أنزل الله عليه الكتاب والحكمة وأهله لذلك ، وأمره بتبليغ ذلك ، هو معصوم من الوقوع في الضلال والشبه.
(وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) قال ابن عباس ومقاتل : هو الشرع. وقال أبو سليمان الدمشقي : أخبار الأولين والآخرين. وذكر الماوردي : الكتاب والحكمة ، وذكر أيضا مقدار نفسك النفيسة. وقيل : خفيات الأمور ، وضمائر الصدور التي لا يطلع عليها إلا بوحي.