ذلك الإثم بما تقتضيه حكمته. فالصفتان أشارتا إلى علمه بذلك الإثم ، وإلى ما يستحق عليه فاعله. وفي لفظة : على ، دلالة استعلاء الإثم عليه ، واستيلائه وقهره له.
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) قيل : نزلت في طعمة بن أبيرق حين سرق الدرع ورماها في دار اليهودي. وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول ، إذ رمى عائشة بالإفك. وظاهر العطف بأو المغايرة ، فقيل : الخطيئة ما كان عن غير عمد. والإثم : ما كان عن عمد ، والصغيرة والكبيرة ، أو القاصر على فعل والمتعدي إلى غيره. وقيل : الخطيئة سرقة الدرع ، والإثم يمينه الكاذبة. وقال ابن السائب : الخطيئة يمين السارق الكاذبة ، والإثم سرقة الدرع ، ورمى اليهودي به. وقال الطبري : الخطيئة تكون عن عمد وغير عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل : هما لفظان بمعنى واحد ، كرّرا مبالغة. والضمير في : به ، عائد على الإثم ، والمعطوف بأو يجوز أن يعود الضمير على المعطوف عليه كقوله : انفضوا إليها وعلى المعطوف كهذا. وتقدم الكلام في ذلك بأشبع من هذا. وقيل : يعود على الكسب المفهوم من يكسب. وقيل : على المكسوب. وقيل : يعود على أحد المذكورين الدال عليه العطف بأو ، كأنه قيل : ثم يرم بأحد المذكورين. وقيل : ثم محذوف تقديره : ومن يكسب خطيئة ثم يرم به بريئا أو إثما ثم يرم به بريئا ، وهذه تخاريج من لم يتحقق بشيء من علم النحو.
والبريء المتهم بالذنب ولم يذنب. ومعنى : فقد احتمل بهتانا ، أي برميه البريء ، فإنه يبهته بذلك. وإثما مبينا أي : ظاهرا لكسبه الخطيئة أو الإثم. والمعنى : أنه يستحق عقابين : عقاب الكسب ، وعقاب البهت. وقدم البهت لقربه من قوله : ثم يرم به بريئا ، ولأنه ذنب أفظع من كسب الخطيئة أو الإثم. ولفظ احتمل أبلغ من حمل ، لأنّ افتعل فيه للتسبب كاعتمل. ويحتمل أن يكون افتعل فيه كالمجرد كما قال : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) (١) فيكون كقدر واقتدر. لما كان الوزر يوصف بالفعل ، جاء ذكر الحمل والاحتمال وهو استعارة. جعل المجني كالجرم المحمول. ولفظة : ومن تدل على العموم ، فلا ينبغي أن تخصّ ببني أبيرق ، بل هم مندرجون فيها. وقرأ معاذ بن جبل : ومن يكسّب بكسر الكاف وتشديد السين ، وأصله : يكتسب. وقرأ الزهري : خطية بالتشديد.
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ١٣.