كان الاستثناء منقطعا فإنه يسوغ ، كقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (١) أي لكن الموتة الأولى في الدنيا فإنهم ذاقوها. وقال قوم : المستثنى هم العصاة الذين يدخلون النار من أهل التوحيد أي إلا النوع الذي دخلها من العصاة فإنهم لا يخلدون في النار. وقال قوم : الاستثناء من الأزمان أي (خالِدِينَ فِيها) أبدا إلا الزمان الذي شاء الله أن لا يخلدون فيها ، واختلف هؤلاء في تعيين الزمان. فقال الطبري : هي المدّة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار وساغ هذا من حيث العبارة بقوله : (النَّارُ مَثْواكُمْ) لا يخص بصيغتها مستقبل الزمان دون غيره. وقال الزمخشري : إلا ما شاء الله أي يخلدون في عذاب الأبد كله إلا ما شاء الله أي الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير ، فقد روي أنهم يدخلون واديا من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم. وقال الحسن : إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب وهذا راجع إلى الزمان أي إلا الزمان الذي كانوا فيه في الدنيا بغير عذاب ، ويرد على هذا القول ما يرد على من جعله استثناء من الأشخاص الذين آمنوا في الدنيا. وقال الفراء : إلا بمعنى سواء والمعنى سواء ما يشاء من زيادة في العذاب ويجيء إلى هذا الزجاج. وقال غيره : إلا ما شاء الله من النكال والزيادة على العذاب وهذا راجع إلى الاستثناء من المصدر الذي يدل عليه معنى الكلام ، إذ المعنى تعذبون بالنار (خالِدِينَ فِيها) إلا ما شاء من العذاب الزائد على النار فإنه يعذبكم به ويكون إذ ذاك استثناء منقطعا إذ العذاب الزائد على عذاب النار لم يندرج تحت عذاب النار ، والظاهر أن هذا الاستثناء هو من تمام كلام الله للمخاطبين وعليه جاءت تفاسير الاستثناء. وقال ابن عطية : ويتجه عندي في هذا الاستثناء أن يكون مخاطبة للنبي صلىاللهعليهوسلم وأمته ، وليس مما يقال يوم القيامة والمستثنى هو من كان من الكفرة يومئذ يؤمن في علم الله كأنه لما أخبرهم أنه يقال للكفار (مَثْواكُمْ) استثنى لهم من يمكن أن يؤمن ممن يرونه يومئذ كافرا ويقع ما على صفة من يعقل ، ويؤيد هذا التأويل اتصال قوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي من يمكن أن يؤمن منهم ؛ انتهى ، وهو تأويل حسن.
وروي عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار. قيل : ومعنى ذلك أنها توجب الوقف فيمن لم يمت إذ قد يسلم وروي عنه أيضا أنه قال : جعل أمرهم في مبلغ عذابهم ومدّته إلى مشيئته حتى لا يحكم الله في خلقه ، وعنه أيضا أنه قال في هذه الآية : أنه
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٤ / ٥٦.