وازع وأوضح بيان ، وكان ذنب من يعرف الحق ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل ، لأنّ من لا يعرف الحق يستحق العقوبة لترك المعرفة ، لأن العمل لا يلزمه حتى يعرفه ، أو يعرفه من يصدقه. والعالم يستحق العقوبة بترك استعمال ما يقتضيه معرفته ، فهو أعظم جرما إذا اطلع على الحق وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد لله تعالى ، إذ جعل له نور يهتدي به.
وسبيل المؤمنين : هو الدين الحنيفي الذي هم عليه. وهذه الجملة المعطوفة هي على سبيل التوكيد والتشنيع ، وإلا فمن يشاقق الرسول هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة ، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم ، وأتبع بلازمه توكيدا. واستدل الشافعي وغيره بهذه الآية على أن الإجماع حجة. وقد طول أهل أصول الفقه في تقرير الدلالة منها ، وما يرد على ذلك وذلك مذكور في كتب أصول الفقه. وقال الزمخشري : هو دليل على أنّ الإجماع حجة لا يجوز مخالفتها ، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة ، لأن الله تعالى جمع بين اتباع سبيل غير المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط ، وجعل جزاءه الوعيد الشديد ، فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول انتهى كلامه.
وما ذكره ليس بظاهر الآية المرتب على وصفين اثنين ، لا يلزم منه أن يترتب على كل واحد منهما ، فالوعيد إنما ترتب في الآية على من اتصف بمشاقة الرسول واتباع سبيل غير المؤمنين ، ولذلك كان الفعل معطوفا على الفعل ، ولم يعد معه اسم شرط. فلو أعيد اسم الشرط وكان ، يكون ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين لكان فيه ظهور ما على ما ادّعوا ، وهذا كله على تسليم أن يكون قوله : ويتبع غير سبيل المؤمنين مغايرا لقوله : ومن يشاقق الرسول. وقد قلنا : إنه ليس بمغاير ، بل هو أمر لازم لمشاقة الرسول ، وذلك على سبيل المبالغة والتوكيد وتفظيع الأمر وتشنيعه. والآية بعد هذا كله هي وعيد الكفار ، فلا دلالة فيها على جزئيات فروع مسائل الفقه. واستدل بهذه الآية على وجوب عصمة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وعلى أن كل مجتهد يسقط عنه الإثم. ومعنى قوله : ما تولى قال ابن عطية : وعيد بأن يترك مع فاسد اختياره. وقال الزمخشري : يجعله بالياء ، وما تولى من الضلالة بأن تخذله وتخلى بينه وبين ما اختار انتهى. وهذا على منزعه الاعتزالي. وقرئ : وتصله بفتح النون من صلاه. وقرأ ابن أبي عيلة : يوله ويصله بالياء فيهما جريا على قوله : فسوف يؤتيه بالياء ، وفي هاء نوله ونصله : الإشباع والاختلاس والإسكان وقرئ بها.