وعلى قراءة ابن عامر وهي قراءة أبي جعفر فيما ذكر مكي يكون قوله : (أَوْ دَماً) معطوفا على موضع (أَنْ يَكُونَ) وعلى قراءة غيره ، يكون معطوفا على قوله : (مَيْتَةً) ومعنى (مَسْفُوحاً) مصبوبا سائلا كالدم في العروق لا كالطحال والكبد ، وقد رخص في دم العروق بعد الذبح. وقيل لأبي مجلز : القدر تعلوها الحمرة من الدم. فقال : إنما حرم الله تعالى المسفوح وقالت نحوه عائشة وعليه إجماع العلماء. وقيل : الدم حرام لأنه إذا زايل فقد سفح. والظاهر أن الضمير في (فَإِنَّهُ) عائد على (لَحْمَ خِنزِيرٍ) وزعم أبو محمد بن حزم أنه عائد على (خِنزِيرٍ) فإنه أقرب مذكور ، وإذا احتمل الضمير العود على شيئين كان عوده على الأقرب أرجح وعورض بأن المحدث عنه إنما هو اللحم ، وجاء ذكر الخنزير على سبيل الإضافة إليه لا أنه هو المحدث عنه المعطوف ، ويمكن أن يقال : ذكر اللحم تنبيها على أنه أعظم ما ينتفع به من الخنزير وإن كان سائره مشاركا له في التحريم بالتنصيص على العلة من كونه رجسا أو لإطلاق الأكثر على كله أو الأصل على التابع لأن الشحم وغيره تابع للحم.
واختلفوا في هذه الآية أهي محكمة؟ وهو قول الشعبي وابن جبير فعلى هذا لا شيء محرم من الحيوان إلا فيها وليس هذا مذهب الجمهور. وقيل : هي منسوخة بآية المائدة ، وينبغي أن يفهم هذا النسخ بأنه نسخ للحصر فقط. وقيل : جميع ما حرم داخل في الاستثناء سواء كان بنص قرآن أو حديث عن الرسول صلىاللهعليهوسلم بالاشتراك في العلة التي هي الرجسية والذي نقوله : إن الآية مكية وجاءت عقيب قوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) وكان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي من هذه الثمانية ، فالآية محكمة وأخبر فيها أنه لم يجد فيما أوحي إليه إذ ذاك من القرآن سوى ما ذكر ولذلك أتت صلة (ما) جملة مصدرة بالفعل الماضي فجميع ما حرّم بالمدينة لم يكن إذ ذاك سبق منه وحي فيه بمكة فلا تعارض بين ما حرم بالمدينة وبين ما أخبر أنه أوحي إليه بمكة تحريمه ، وذكر الخنزير وإن لم يكن من ثمانية الأزواج لأن من الناس من كان يأكله إذ ذاك ولأنه أشبه شيء بثمانية الأزواج في كونه ليس سبعا مفترسا يأكل اللحوم ويتغذى بها ، وإنما هو من نمط الثمانية في كونه يعيش بالنبات ويرعى كما ترعى الثمانية.
وذكر المفسرون هنا أشياء مما اختلف أهل العلم فيه ونلخص من ذلك شيئا ، فنقول : أما الحمر الأهلية فذهب الشعبي وابن جبير إلى أنه لا يجوز أكلها ، وأن تحريم الرسول لها إنما كان لعلة ، وأما لحوم الخيل فاختلف فيها السلف وأباحها الشافعي وابن حنبل وأبو