فعلى هذا لا يصح انتصاب ذلك على أنه إشارة إلى المصدر ، والبغي هنا الظلم. وقال الحسن : الكفر. وقال أبو عبد الله الرازي : هو قتلهم الأنبياء بغير حق وأخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل ، ونظيره (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) (١) وهذا يقتضي أن هذا التحريم كان عقوبة لهم على ذنوبهم واستعصائهم على الأنبياء. قال القاضي : نفس التحريم لا يكون عقوبة على جرم صدر منهم ، لأن التكليف تعريض للثواب والتعريض للثواب إحسان. والجواب : أن المنع من الانتفاع يمكن لمن يرى استحقاق الثواب ، ويمكن أن يكون للجرم المتقدم وكل واحد منهما غير مستبعد.
(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في الإخبار عما (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ). وقال ابن عطية : إخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم : ما حرم الله علينا وإنما اقتدينا بإسرائيل فيما حرم على نفسه ، ويتضمن إدحاض قولهم ورده عليهم. وقال التبريزي : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في إتمام جزائهم في الآخرة الذي سبق الوعيد فيكون التحريم من الجزاء المعجل لهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. وقال الزمخشري (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أوعدنا به العصاة لا نخلفه كما لا نخلف ما وعدناه أهل الطاعة ، فلما عصوا وبغوا ألحقنا بهم الوعيد وأحللنا بهم العقاب ؛ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال.
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) الظاهر عود الضمير على أقرب مذكور وهو اليهود وقاله مجاهد والسدّي أي (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما أخبرت به أنه تعالى حرمه عليهم وقالوا : لم يحرمه الله وإنما حرمه إسرائيل قبل متعجبا من قولهم : ومعظما لافترائهم مع علمهم بما قلت : (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة مع شدّة هذا الجرم كما تقول عند رؤية معصية عظيمة. ما أحلم الله وأنت تريد لإمهاله العاصي. وقيل : الضمير للمشركين الذين كان الكلام معهم في قوله : (أَنْبِئُونِي) وقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) في النبوة والرسالة وتبليغ أحكام الله. وقال الزمخشري : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) في ذلك وزعموا أن الله واسع المغفرة وأنه لا يؤاخذنا بالبغي ويخلف الوعيد جودا وكرما (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) لأهل طاعته (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) مع سعة رحمته (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) فلا تغترّ برجاء رحمته عن خوف نقمته ؛ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال و (الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) عام يندرج فيه مكذبو الرسل وغيرهم من المجرمين ، ويحتمل أن يكون من وقوع الظاهر موقع المضمر أي
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.