(وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) عنكم وجاء معمول قل الأول جملة اسمية لأنها أبلغ في الإخبار من الجملة الفعلية ، فناسبت الأبلغية في الله تعالى بالرحمة الواسعة وجاءت الجملة الثانية فعلية ولم تأت اسمية فيكون التركيب وذو بأس لئلا يتعادل الإخبار عن الوصفين وباب الرحمة واسع فلا تعادل. وقال الماتريدي : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما تدعوهم إليه من التصديق والتوحيد (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) إذا رجعتم عن التكذيب ؛ انتهى. وقيل : (ذُو رَحْمَةٍ) لا يهلك أحدا وقت المعصية ولكن يؤخر (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) إذا نزل.
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) هذا إخبار بمستقبل ، وقد وقع وفيه إخبار بمغيب معجزة للرسول فكان كما أخبر به تعالى وهذا القول منهم ورد حين بطل احتجاجهم وثبت الرد عليهم فعدلوا إلى أمر حق وهو أنه لو أراد الله أن لا يقع من ذلك شيء ، وأوردوا ذلك على سبيل الحوالة على المشيئة والمقادير مغالطة وحيدة عن الحق وإلحادا لا اعتقادا صحيحا وقالوا : ذلك اعتقادا صحيحا حين قارفوا تلك الأشياء استمساكا بأن ما شاء الله هو الكائن كما يقول الواقع في معصية إذا بين له وجهها : هذا قدر الله لا مهرب ولا مفر من قدر الله أو قالوا ذلك وهو حق على سبيل الاحتجاج على تلك الأشياء ، أي لو لم يرد الله ما نحن عليه لم يقع ولحال بيننا وبينه.
وقال الزمخشري : يعنون بكفرهم وتمردهم أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله وإرادته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه ؛ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. وقال الماتريدي : يحتمل أن تكون المشيئة بمعنى الرضا أو بمعنى الأمر والدعاء لأنهم قالوا : إن الله أمرنا بذلك ، ويحتمل أن قالوه استهزاء وسخرية انتهى. ولا تعلق للمعتزلة بذلك مع هذه الاحتمالات.
قال ابن عطية : وتعلقت المعتزلة بهذه الآية فقالوا : إن الله قد ذم لهم هذه المقالة وإنما ذمها لأن كفرهم ليس بمشيئة الله بل هو خلق لهم قال : وليس الأمر على ما قالوا ، وإنما ذم الله ظنّ المشركين إن ما شاء الله لا يقع عليه عقاب وأما أنه ذم قولهم : لولا المشيئة لم نكفر فلا ؛ انتهى.
و (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) مشركو قريش أو مشركو العرب قولان ، (وَلا آباؤُنا) معطوف على الضمير المرفوع وأغنى الفصل بلا بين حرف العطف والمعطوف على الفصل بين المتعاطفين بضمير منفصل يلي الضمير المتصل أو بغيره. وعلى هذا مذهب البصريين لا يجيزون ذلك بغير فصل إلا في الشعر ومذهب الكوفيين جواز ذلك وهو عندهم فصيح في الكلام. وجاء في