(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لما ذكر مأوى الكفار ، ذكر مأوى المؤمنين ، وأسند الفعل إلى نون العظمة ، اعتناء بأنه تعالى هو الذي يتولى إدخالهم الجنة وتشريفا لهم. وقرئ : سيدخلهم بالياء. ولما رتب تعالى مصير من كان تابعا لإبليس إلى النار لإشراكه وكفره وتغيير أحكام الله تعالى ، رتّب هنا دخول الجنة على الإيمان وعمل الصالحات.
(وَعْدَ اللهِ حَقًّا) لما ذكر أنّ وعد الشيطان هو غرور باطل ، ذكر أنّ هذا الوعد منه تعالى هو الحق الذي لا ارتياب فيه ، ولا شك في إنجازه. والذين مبتدأ ، وسيدخلهم الخبر. ويجوز أن يكون من باب الاشتغال أي : وسندخل الذين آمنوا سندخلهم. وانتصب وعد الله حقا على أنه مصدر مؤكد لغيره ، فوعد الله مؤكدا لقوله : سيدخلهم ، وحقا مؤكد لوعد الله.
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) القيل والقول واحد ، أي : لا أحد أصدق قولا من الله. وهي جملة مؤكدة أيضا لما قبلها. وفائدة هذه التواكيد المبالغة فيما أخبر به تعالى عباده المؤمنين ، بخلاف مواعيد الشيطان وأمانيه الكاذبة المخلفة لأمانيه.
(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) قال ابن عباس ، والضحاك ، وأبو صالح ، ومسروق ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم : الخطاب للأمة. قال بعضهم : اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب فقالوا : ديننا أقدم من دينكم. وأفضل ، فنبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون : كتابنا يقضي على الكتب ، ونبينا خاتم الأنبياء ، ونحو هذا من المحاورة فنزلت. وقال مجاهد وابن زيد : الخطاب لكفار قريش ، وذلك أنهم قالوا : لن نبعث ولن نعذب ، وإنما هي حياتنا لنا فيها النعيم ، ثم لا عذاب. وقالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه. إلى نحو هذا من الأقوال كقولهم :
(لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (١) فرد الله تعالى على الفريقين. وقال الزمخشري في ليس : ضمير وعد الله ، أي : ليس ينال ما وعد الله من الثواب بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب. والخطاب للمسلمين ، لأنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به ، ولذلك ذكر أهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم في الإيمان. وعن الحسن : ليس الإيمان بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب ، وصدقه العمل. إنّ قوما ألهتهم أماني المغفرة
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١١.