الراغب : الأول : للتسلية عما فات. والثاني : أنّ وصيته لرحمته لا لحاجة ، وأنهم إن كفروه لا يضروه شيئا. والثالث : دلالته على كونه غنيا. وقال أبو عبد الله الرّازي : الأول : تقرير كونه واسع الجود. والثاني : للتنزيه عن طاعة المطيعين. والثالث : لقدرته على الإفناء والإيجاد ، والغرض منه تقرير كونه قادرا على مدلولات كثيرة فيحسن أن يذكر ذلك الدليل على كل واحد من مدلولاته ، وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة ، لأنه عنده إعادة ذكر الدليل يحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول ، وكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل ، فظهر أنّ هذا التكرار في غاية الكمال. وقال مكي : نبهنا أولا على ملكه وسعته. وثانيا على حاجتنا إليه وغناه ، وثالثا على حفظه لنا وعلمه بتدبيرنا.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) ظاهره أنّ الخطاب لمن تقدم له الخطاب أولا. وقال ابن عباس : الخطاب للمشركين والمنافقين ، والمعنى : ويأت بآخرين منكم. وقريب منه ما نقله الزمخشري : من أنه خطاب لمن كان يعادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم من العرب. وقال أبو سليمان الدمشقي : الخطاب للكفار وهو تهديد لهم ، كأنه قال : إن يشاء يهلككم كما أهلك من قبلكم إذ كفروا برسله. وقيل : للمؤمنين ينطلق عليه اسم الناس ، والمعنى : إن شاء يهلككم كما أنشأكم وأنشأ قوما آخرين يعبدونه. وقال الطبري : الخطاب للذين شفعوا في طعمة بن أبيرق ، وخاصم وخاصموا عنه في أمر خيانته في الدّرع والدّقيق. وهذا التأويل بعيد ، وقد يظهر العموم فيكون خطابا للعالم الحاضر الذي يتوجه إليه الخطاب والنداء. ويأت بآخرين أي : بناس غيركم ، فالمأتي به من نوع المذهب ، فيكون من جنس المخاطب المنادي وهم الناس.
وروي أنها لما نزلت ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده على ظهر سلمان وقال : «إنهم قوم هذا يريد ابن فارس» ، وأجاز الزمخشري وابن عطية وغيرهما أن يكون المراد بآخرين من نوع المخاطبين. قال الزمخشري : ويأت بآخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون وعيدا لجميع بني آدم ، ويكون الآخرون من غير نوعهم. كما أنه قد روي أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون الله قبل بني آدم انتهى. وما جوّزه لا يجوز ، لأنّ مدلول آخر في اللغة هو مدلول غير خاص بجنس ما تقدم ، فلو قلت : جاء زيد وآخر معه ، أو مررت بامرأة وأخرى معها ، أو اشتريت فرسا وآخر ، وسابقت بين حمار وآخر ، لم يكن آخر ولا أخرى مؤنثه ، ولا تثنيته ولا جمعه إلا من جنس ما يكون قبله. ولو قلت :