وثالثا : إن المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر كما سيأتي ؛ ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم.
ورابعا : إن ابن إسحاق ينص على أن المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» أن لا يتعرضوهم (١). وقد فعل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في صفين مثل ذلك ؛ حيث أباح الماء لأعدائه القاسطين ، مع أنهم كانوا قد منعوه إياه أولا (٢).
ومن الواضح : أن منعهم من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيه الأعظم «صلى الله عليه وآله».
فالصحيح هو الرواية التي تقول : إن المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلا حتى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض ، وشربوا وسقوا الركائب ، واغتسلوا وملأوا الأسقية (٣) كما أشار إليه تعالى ، حين قال : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ)(٤).
وذلك هو سر بناء الحوض ، وليس ما ذكروه.
__________________
(١) وراجع : الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٢٣.
(٢) راجع كتابنا : الإسلام ومبدأ المقابلة بالمثل.
(٣) راجع : الكشاف ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢٠٤ ، وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٩٢ غير أنه لم يذكر اتخاذ الحياض.
(٤) الآية ١١ من سورة الأنفال.