ويدلنا على هذا المعنى ، أنهم يذكرون : أنه لما رأى طليحة بن خويلد كثرة انهزام أصحابه قال : «ويحكم ما يهزمكم؟! قال رجل منهم : وأنا أحدثك ما يهزمنا : إنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله ، وإنا لنأتي قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه» (١).
ولما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال : «لو كان ابن صفية يعلم : أنه على حق ما ولى الخ ..» (٢).
ويقول حميد الطوسي أحد أكابر قواد المأمون : «إننا قد آيسنا من الآخرة وإنما هي الدنيا ؛ فلا نحتمل والله لأحد تنغيصها علينا» (٣).
أما هدف المسلمين أو بالأحرى بعضهم ، وهم الذين جزروا قريشا جزرا ، كعلي وحمزة وأمثالها ممن كان لهم نكاية في العدو ؛ فقد كان هو الفوز الأخروي ، ويعتبرون أنهم إنما يقدمون على إحدى الحسنيين : النصر وهو فوز أخروي ودنيوي ، أو الشهادة ، وهي فوز أيضا حتى دنيويا.
وإذا كانوا يعدون الموت فوزا كالنصر العسكري ، وإذا كانوا يعتبرون فرارهم خذلانا ، ووبالا ، ودمارا ، وموتا لهم ، بل وشرا من الموت ، حتى ولو أدى إلى حفظ حياتهم ، وكانت في المستوى الأعلى من الرفاهية والراحة الجسدية والنعيم الدنيوي ، لأنها سوف يعقبها الدمار في الآخرة والعذاب الأليم ، إذا كانوا كذلك فإن حياتهم هذه تكون مرفوضة عندهم ، ولا يريدونها ؛ بل هم
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ١٧٦ ، وحياة الصحابة ج ٣ ص ٧٧٠ عنه.
(٢) مصنف عبد الرزاق ج ١١ ص ٢٤١ وهذا يؤيد أنه قتل وهو منهزم كما يصرح به البعض.
(٣) نشوار المحاضرات ج ٣ ص ١٠٠.