لا تدانيها قوة ؛ لأنه قائم على الفقه الصحيح ، الموجب لتحليهم بكل السجايا الفاضلة ، كالشجاعة ، والشهامة ، والجرأة ، والاستقامة ، والوقار ، والطمأنينة ، والثقة به تعالى ، واليقين بأنه مقدم على إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة ، وبأن الموت ليس فناء كما يعتقد الكفار ، وإنما هو السعادة ، والانتقال إلى دار البقاء.
أما الكفار : فيعتمدون على تسويل الشيطان ، وهوى النفس. ولا تثبت النفس على هواها إلى حد تقبل الموت إلا فيما ندر.
ففقه المؤمنين ، ومعه العلم والإيمان ، هو السر في انتصارهم في بدر ، وجهل الكفار ومعه الكفر والهوى هو الموجب لانهزامهم.
وأما بعد ذلك ، وحيث زاد عدد المسلمين ؛ فقد ضعفوا في القوة الروحية ، بسبب قلة نسبة الفقه المشار إليه في الآية الأولى بقوله تعالى :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(١) وقلة الصبر المشار إليه في الآية الثانية بقوله تعالى : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٢).
وسبب هذا الضعف هو : أن كل جماعة أو فئة تسعى للوصول إلى هدف حيوي : دنيويا كان أو دينيا.
فإنها في بادئ الأمر تشعر بالموانع ، وتواجه المحن التي ترى أنها تتهدد وجودها وبنيتها ، فتستيقظ هممها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها ، ويهون عليها بذل أنفسها وأموالها في سبيله.
__________________
(١) الآية ١٣ من سورة الحشر.
(٢) الآية ٢٤٩ من سورة البقرة.