فإذا جاهدت وتقدمت نحو غاياتها ، وصفا لها الجو بعض الصفاء ، وكثر جمعها ، فإنها تبدأ بالاستفادة من نتائج تضحياتها ، وتتنعم وترتاح وتطمئن لجني ثمرات ما بذلته وقدمته.
وتبدأ قواها الروحية المحركة بالخمود.
وواضح : أنه مهما قلت أفراد تلك الجماعة ، أو ذلك المجتمع ، فإنهم ولا شك يكونون متفاوتين في درجات إيمانهم بهدفهم ، وفي مستوى تفكيرهم ووعيهم ، وفي سجاياهم بشكل عام.
وكلما كثر أفرادها كلما زاد فيهم ضعفاء الإيمان والمنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، ويتدنى مستوى القوى الروحية في متوسط الأفراد عموما.
وقد أثبتت التجربة أنه كلما قلت أفراد الجماعة ، وقوي خصومها ومنافسوها ؛ وأحاطت بها المحن والفتن ، فإنها تكون أكثر نشاطا في العمل ، وأحد في الأثر.
وكلما كثر أفرادها ، فإنها تصير أكثر خمودا ، وأقل تيقظا ، وأسفه حلما.
وغزوات النبي «صلى الله عليه وآله» خير شاهد على ما نقول. فليقارن بين عدة وعدد ، وظروف ، وحالة المسلمين في غزوة بدر ، وبين عدتهم وعددهم ، وظروفهم في غيرها ، وليقارن بين نتائجها ، ونتائج غيرها ، كأحد ، والخندق ، وخيبر ، وحنين ، وهي أقساها ، حتى لقد قال تعالى :
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) الآيات (١).
__________________
(١) الآية ٢٥ من سورة التوبة.