إني لأغسل رأسي ، قد غسلت أحد شقّيه ، إذ سمعت فرسي جروة تصهل وتبحث (١) بحافرها ، فقلت : هذه حرب قد حضرت. فقمت ولم أغسل شقّ رأسي الآخر ، فركبت وعليّ بردة لي ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصيح : «الفزع ، الفزع». قال : وأدرك المقداد بن عمرو ، فسايرته ساعة ، ثم تقدّمه فرسي ، وكانت أجود من فرسه ، وقد أخبرني المقداد. وكان سبقني. بقتل مسعدة محرزا. يعني ابن نضلة. قال أبو قتادة للمقداد : أبا معبد ، أنا أموت أو أقتل قاتل محرز. فضرب فرسه فلحقهم أبو قتادة ، ووقف له مسعدة ، وحمل عليه أبو قتادة بالقناة ، فدقّ صلبه ، ويقول : خذها وأنا الخزرجي ، ووقع مسعدة ميتا ، ونزل أبو قتادة فسجّاه ببردته ، وجنّب فرسه معه ، وخرج يحضر في إثر المقداد حتى تلاحق الناس. قال أبو قتادة : فلما مرّ الناس نظروا إلى بردة أبي قتادة عرفوها ، فقالوا : هذا أبو قتادة قتيل! واسترجع أحدهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا ، ولكنه قتيل أبي قتادة» ، وجعل عليه بردته (٢) ليعرفوا أنه قتيله (٣) ، فخلّوا بين أبي قتادة وبين قتيله وسلبه وفرسه» ، فأخذه كلّه. وكان سعد (٤) بن زيد. يعني الأشهلي. قد أخذ سلبه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا والله ، أبو قتادة قتله ، ادفعه إليه».
فحدّثني (٥) عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه أبي قتادة قال :
لمّا أدركني النبي صلىاللهعليهوسلم يومئذ ونظر إلي قال : «اللهمّ ، بارك له في شعره وبشره». وقال : «أفلح وجهك». فقلت : ووجهك يا رسول الله. قال : «قتلت مسعدة؟» قلت : نعم. قال : «فما هذا الذي بوجهك؟» قلت : سهم رميت به يا رسول الله. قال : «فادن مني». فدنوت منه ، فبصق عليه.
فما ضرب (٦) عليه قط ولا قاح.
فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين ، وكأنه ابن خمس عشرة سنة. قال : وأعطاني يومئذ فرس مسعدة وسلاحه وقال : «بارك الله لك فيه» [١٣٥٢٦].
أخبرنا ابن سعد أخبرنا معن بن عيسى حدّثنا مالك بن أنس (٧) عن يحيى بن سعيد ،
__________________
(١) البحوث من الإبل التي إذا سارت تبحث التراب بأيديها أخرا ، أي ترمي إلى خلفها (تاج العروس : بحث).
(٢) في مختصر أبي شامة : «برده» وفي ابن منظور : «بردة» والمثبت عن المغازي.
(٣) في مختصر ابن منظور : قتله.
(٤) في مختصر أبي شامة : سعيد ، تصحيف ، والمثبت عن مغازي الواقدي.
(٥) القائل الواقدي ، والخبر في المغازي ٢ / ٥٤٥.
(٦) ضرب الجرح : اشتد وجعه (الأساس : ضرب).
(٧) موطأ مالك ٢ / ١٠ ، ١٢ والخبر من هذا الطريق رواه البيهقي في دلائل النبوة ٥ / ١٤٨.