ولما أنذره رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنّار ، قال أبو لهب : إن كان ما يقوله حقا فإني أفتدي بمالي وولدي. فقال الله عزوجل : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ)(١) أي : ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من ماله (وَما كَسَبَ) يعني ولده ، لأن ولده من كسبه. ثم أوعده الله بالنّار فقال : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ)(٢) يعني : نارا تلتهب عليه.
وفي حديث آخر عن طارق بمعناه ، قال :
فلما أسلم النّاس وهاجروا خرجنا من الرّبذة نريد المدينة نمتار من تمرها ، فلما دنونا من حيطانها ونخلها ، قلنا : لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه ، إذا رجل في طمرين (٣) له ، فسلّم وقال : من أين أقبل القوم؟ قلنا : من الرّبذة. قال : وأين تريدون؟ قلنا : نريد هذه المدينة. قال : ما حاجتكم فيها؟ قالوا : نمتار من تمرها. قال : ومعنا ظعينة لنا ، ومعنا جمل أحمر مخطوم (٤). فقال : أتبيعون جملكم هذا؟ قالوا : نعم بكذا وكذا صاعا من تمر. قال : فما استوضعنا (٥) مما قلنا شيئا. فأخذ بخطام الجمل ، فانطلق ، فلمّا توارى (٦) عنا بحيطان المدينة ونخلها. قلنا : ما (٧) صنعنا؟ والله ما بعنا جملنا ممن نعرف ، ولا أخذنا له ثمنا؟! قال : تقول المرأة التي معنا : والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقّة القمر ليلة البدر ، أنا ضامنة لثمن جملكم.
إذ أقبل رجل فقال : أنا رسول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هذا تمركم ، فكلوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا. فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا واستوفينا. ثم دخلنا المدينة فدخلنا المسجد ، فإذا هو قائم على المنبر يخطب النّاس ، فأدركنا من خطبته وهو يقول : تصدّقوا فإنّ الصدقة خير لكم ، اليد العليا خير من السّفلى.
[زاد في رواية :
وابدأ بمن تعول](٨) ؛ أمّك وأباك وأختك وأخاك ، وأدناك أدناك. إذ أقبل رجل في نفر
__________________
(١) سورة المسد ، الآية : ٢.
(٢) سورة المسد ، الآية : ٣.
(٣) الطمر : الثوب الخلق.
(٤) مخطوم أي مزموم ، والخطام : الزمام.
(٥) أي أنه لم يساومنا في ثمنه ، ولم يطلب منا أن نضع له في الثمن.
(٦) في مختصر أبي شامة : وارى.
(٧) في مختصر أبي شامة : أما صنعنا.
(٨) الزيادة عن مختصر ابن منظور.