عليه النّاس ، فقال له أبو لهب : هلمّ إليّ يا بن أخي ، فعندك لعمري الخبر. فجاء حتى جلس بين يديه ، فقال له : يا بن أخي خبّرني خبر النّاس. قال : نعم ، والله ما هو إلّا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يضعون السّلاح (١) فينا حيث شاءوا ، وو الله مع ذلك ما لمت النّاس ، لقينا رجال بيض على خيل بلق لا والله ما تليق شيئا ـ يقول : ما تبقي شيئا ـ قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة فقلت : تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده ، فضرب وجهي ضربة منكرة ، وثاورته (٢) ـ وكنت رجلا ضعيفا ـ فاحتملني فضرب بي الأرض ، وبرك على صدري يضربني ، وتقوم أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فتأخذه ، وتقول : استضعفته أن غاب عنه سيده ، وتضربه بالعمود على رأسه ، فيفلقه شجّة منكرة. وقام يجر رجليه ذليلا ، ورماه الله بالعدسة (٣) ، فو الله ما مكث إلّا سبعا حتى مات ، ولقد تركه ابناه في بيته ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن ، وكانت قريش تتقي هذه القرحة ـ يعني العدسة ـ كما تتقي الطّاعون ، حتى قال لهما رجل من قريش : ويحكما ألا تستحيان ، إن أباكما في بيته قد أنتن ؛ لا تدفنانه؟! فقالا : إنا نخشى عدوى هذه القرحة. فقال : انطلقا ، فأنا أعينكما عليه. فو الله ما غسلوه إلّا قذفا بالماء عليه من بعيد ؛ ما يدنون منه ، ثم إنهم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا (٤) عليه الحجارة (٥).
وقال ابن إسحاق : حدّثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزّبير عن أبيه عن عائشة أنّها كانت لا تمر على مكان أبي لهب هذا إلّا استترت بثوبها حتى تجوزه.
قال أبو اليمان : أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عروة بن الزّبير فذكر حديث الرضاع ، قال عروة :
وثويبة مولاة أبي لهب ، كان أبو لهب أعتقها ، فأرضعت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله في النوم بشرّ حيبة (٦) فقال له : ما ذا لقيت؟ فقال أبو لهب : لم ألق بعدكم رخاء
__________________
(١) في مجمع الزوائد : «يقتلوننا» بدلا من «يضعون السلاح».
(٢) المثاورة : المواثبة.
(٣) هي بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل صاحبها غالبا.
(٤) رضم الحجارة رضما : جعل بعضها على بعض. وفي مجمع الزوائد : قذفوا عليه الحجارة.
(٥) قال الهيثمي : رواه الطبراني والبزار ، وفي إسناده حسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه أبو حاتم وغيره ، وبقية رجاله ثقات.
(٦) بشر حيبة أي بشر حال ، (انظر اللسان وتاج العروس : حوب).