هو : كبوا رواحلهم. يقال : كببت الإناء إذا قلبته ، وكبه الله لوجهه ـ بغير ألف ـ قال الله عزوجل : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ)(١) يقال : أكب على وجهه. قال أبو عمر : يقال كببت الرجل على وجهه وأكببته أنا على عملي لا .... (٢) قال الله عزوجل : (فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ)(٣) ، ومعنى قوله : كبوا رواحلهم أي الزموها الطريق كما نكب رجلا على العمل فيكب ، ويقال : كببت الجزور إذا عقرته (٤) فقال الشاعر :
يكبون العشار لمن أتاهم |
|
إذا لم تسكت الماء به الوليد |
يريدون أنهم يعقرون الإبل لمن أتاهم في حدث الزمان ، إذا لم يكن في مائه من الإبل ما يعلل به صبي.
وقوله : فمنهم المرتع ، يقال : رتعت الإبل إذا رعت ، وأرتع الرجل : إذا خلّى الركاب ترعى ، ومنه قوله جل وعز : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ)(٥) والمدنيون يقرءونه (يَرْتَعْ) بكسر العين ، كأنه مفتعل من رعيت أي يحفظ بعضنا بعضا.
وقوله : ومنهم الآخذ الضغث. الضغث : الحزمة تجمعها من الخلاء ومن العيدان ، قال الله جل وعزّ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ)(٦) وأراد أن الفرقة الثانية نالت من الدنيا وأن الأولى لم تنل شيئا. لزموا الطريق فلم يظلموه ، أي يعدلوا عنه ، وأصل الظلم وضع الشيء غير موضعه ، ومنه يقال : من أشبه أباه فما ظلم ، أي ما وضع الشبه غير موضعه ، ومنه ظلم السقاء وهو أن يشربه قبل أن يدرك ، قال الشاعر :
وقائلة ظلمت لكم سقائي |
|
وهل يخفى على العكد الظليم |
والعكد جمع عكدة وهي أصل اللسان ، والظليم : المظلوم ، فعيل بمعنى مفعول ، تقول : لا يخفى مذاقه ما شرب من اللبن قبل الإدراك. وقوله في الفرقة الثالثة : وقالوا : هذا حين المنزل ، يريد أنهم ركنوا إلى ما في المرج من الرعي وأوطنوه ، وتخلفوا عن الفرقتين المتقدمتين.
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ٩٠.
(٢) كلمة غير واضحة بالأصل.
(٣) سورة الملك ، الآية : ٢٢.
(٤) تقرأ بالأصل : إذا عقل به ، والمثبت عن المختصر.
(٥) سورة يوسف ، الآية : ١٢.
(٦) سورة ص ، الآية : ٤٤.