سمعت مشايخنا بمصر يعترفون (١) لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ولمواظبته على الحج والجهاد. وأنه خرج إلى الفداء مع والي مصر ، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه والانبساط بالمأكول والمشروب في رحلته ، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضياللهعنه بدمشق من جهة الخوارج.
كان ابن الحداد كثير الحديث ، ولم يحدّث عن أحد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط ، وقال : رضيت به حجة بيني وبين الله (٢).
خرج (٣) أبو عبد الرحمن من مصر في آخر عمره إلى دمشق ، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روي من فضائله. فقال : معاوية (٤) لا يرضى رأسا برأس حتى يفضّل؟ فما زالوا يدفعون في حضنيه (٥) حتى أخرج من المسجد ، ثم حمل إلى مكة وتوفي بها سنة ثلاث وثلاث مائة وهو مقتول (٦).
قال (٧) : وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان ، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال.
فقد (٨) روي عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : يعرفون ، والمثبت عن تهذيب الكمال.
(٢) تهذيب الكمال ١ / ١٥٥ وسير الأعلام ١٤ / ١٣٢.
(٣) رواه المزي في تهذيب الكمال ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ من طريق الحاكم أبي عبد الله عن محمد بن إسحاق الأصبهاني عن مشايخ مصر ، ورواه الذهبي في سير الأعلام ١١ / ١٩٩ (ط دار الفكر) نقلا عن أبي عبد الله بن منده عن حمزة العقبي المصري وغيره.
(٤) في تهذيب الكمال : ألا يرضى.
(٥) في حضنيه ، وهما جنباه ، وفي شذرات الذهب : خصيتيه.
(٦) عقب الذهبي في سير الأعلام بعد ذكره الخبر بقوله : كذا قال ، وصوابه إلى الرملة.
(٧) يعني أبا القاسم ابن عساكر ، كما يفهم من عبارة تهذيب الكمال.
(٨) الخبر في تهذيب الكمال ١ / ١٥٨ نقلا عن ابن عساكر وصدره.
بقوله : ثم روى بإسناده عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي ، قال : سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول : سئل أبو عبد الرحمن النسائي ... وذكر الرواية.