حدث الحافظ ابن عساكر بسنده عن بعض مشايخ المصريين (١) :
أنّ أحمد المعروف بابن طولون ، ذكروا أن طولون تبناه [لديانته ، وحسن صوته بالقرآن](٢) ، وأنه لم يكن ابنه وأنه كان ظاهر النجابة من صغره. وكان له بأهل الحاجات عناية. وكان أبدا يسأله فيهم ، فيعجب بذلك منه ، ويزداد بصيرة فيه ، وأنه دخل إليه يوما ، فقال له : ما لك؟ فقال : بالباب قوم ضعفاء ، لو كتبت لهم بشيء. فقال : امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر ، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه ، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير ، وقد خلا بها بعض الخدم ، فسكت ، وأخذ حاجته وانصرف إليه ، فكتب له وخرج ، وخشيت الحظيّة أن يسبقها بالقول ، فأقبلت إلى الأمير من فورها ، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها ، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه ، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع ، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم ، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتابا إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة (٣) ، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعا بالكتاب.
ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته ، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير ، وأراها الكتاب ، وهو لا يدري ما فيه. فقالت : لا عليك ، أنا أرسل به ، واقعد أنت فإني أحتاج إليك ، واستدعت ذلك الخادم ، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه ، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها ، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه (٤) ، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه ، فلما رآه سأل عن أحمد ، فاستدعاه ، وقال : أخبرني بالصدق ، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال : ما رأيت شيئا. فقال : والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظيّة بقتل الخادم ، فجرت إلى مولاها مرنبة (٥) ذليلة تطلب العفو ، وهي تظن أن الأمر قد صحّ عند
__________________
(١) الخبر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ (ط دار الفكر) نقلا عن ابن عساكر.
(٢) زيادة عن البداية والنهاية.
(٣) في البداية والنهاية : ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك تضرب عنقه وابعث برأسه سريعا إليّ.
(٤) في البداية والنهاية : وظنت أن به جائزة تريد أن تخص بها الخادم.
(٥) كذا في مختصر ابن منظور.