لأستخرجك من هذا الموضع ، فقال دانيال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، الحمد لله الذي لا يكل من توكّل عليه إلى غيره ، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا ، والحمد لله الذي يجزي بالإساءة غفرانا ، والحمد لله الذي يكشف ضرّنا عن كربنا (١) ، ثم استخرجه ، وإن الشّبلين لعن يمينه وعن شماله يمشيان معه ، وإن ذلك النّبي لفي ناحية يفرق منهما ، حتى عزم عليهما دانيال أن يرجعا إلى الغيضة (٢).
قال ابن عباس :
من قال عند كل سبع : اللهم ربّ دانيال ورب الجبّ ، وربّ كلّ أسد مستأسد ، احفظني واحفظ عليّ ، لم يضره سبع.
وحدث قتادة عن كعب :
أن بخت نصّر انطلق بدانيال معه إلى أرض بابل يصدر عن رأيه ، حتى قيل له : إنه مخالف لك ولا يأكل لحم الخنزير. قال : فدعاه إلى طعامه فأبى أن يأكله ، فسجنه في السجن حتى رأى رؤياه التي قطع بها على ما سنذكره.
وحدّث وهب :
أن بخت نصّر سار ببني إسرائيل وكنوز بيت المقدس إلى أرض بابل ، فأقام إرميا بأرض إيلياء وهي خراب ، فكان يبكي وينوح على بيت المقدس ، وكان يساعده عليه الخطّاف (٣) ـ فيطوف حوله ، فمن ثمّ نهي عن قتله ، وكانت بقايا من بني إسرائيل متفرقين بلغهم أمر إرميا ومقامه بإيلياء ، فاجتمعوا إليه ، فقالوا : قد عرفنا الآن أنك نصحتنا ، ولو أطعناك لم يصبنا ما أصابنا فمرنا بأمرك. فقال لهم : أقيموا في أرضنا فنستغفر الله ونتوب إليه لعله يتوب علينا ، فقالوا : إنا نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر ، فيبعث إلينا من يتخطّفنا ، ونحن شرذمة قليلون ،
__________________
(١) في البداية والنهاية : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الذي يجيب من رجاه ، والحمد لله الذي من وثق به لا يكله إلى غيره ، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا ، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة ، والحمد لله الذي هو يكشف ضرنا بعد كربنا ، والحمد لله الذي يقينا حين يسوء ظننا بأعمالنا ، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ينقطع الحيل عنا.
(٢) الغيضة : بالفتح ، الأجمة ، ومجتمع الشجر في مغيض ماء (القاموس المحيط).
(٣) الخطاف : كرمان ، طائر أسود ، قال ابن سيده : هو العصفور الذي تدعوه العامة : عصفور الجنة (تاج العروس : خطف).