الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيا أمّيا من العرب ، فيدوّخ الله به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم ، ويظهره على الأديان والأمم ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى ملأها ، فيحق الله به الحق ، ويزهق به الباطل ، ويهدي به أهل الضلال ، ويعلّم به الأميين ، ويقوّي به الضّعفة ، ويعز به الأذلّة ، وينصر به المستضعفين ، قال له بخت نصّر : ما أعلم أحدا استعنت به منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك ، ولا لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا جازيك بإحسانك ، فاختر من ثلاث خلال أعرضهن عليك : واحدة إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمر لك كل شيء خرّبته ، وإن أحببت كتبت لك أمانا تأمن به حيث ما سلكت ، وإن أحببت أن تقيم معي ، فأواسيك. قال : أما قولك : تردّني إلى بلادي وتعمر لي ما خربت ؛ فإنها أرض كتب الله عليها الخراب وعلى أهلها الفناء إلى أجل معلوم ، وليس تقدر على أن تعمر ما خرب الله عزوجل ، ولا تردّ أجلا أجّله الله حتى يبلغ الكتاب أجله ، وينقضي هذا البلاء الذي كتب الله على إيلياء وأهلها ، وأما قولك : إنك تكتب لي أمانا آمن به حيث ما توجهت ؛ فإنه لا ينبغي أن أطلب مع أمان الله أمان مخلوق ، وأما ما ذكرت من مواساتك ؛ فإن ذلك أوفق لي يومي هذا حتى يقضي الله فينا قضاءه ، فجمع بخت نصّر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي ، فقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرّج الله عني الكرب الذي عجزت عنه به ، وإنّي قد رأيت أن أوليه أمركم ، فخذوا من أدبه وحكمته ، وأعظموا حقه ، فإن جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال ، فآثروا حاجته على حاجتي ، ونزل منه دانيال بأفضل المنازل ، وجعل تدبير ملكه إليه ، فلما رأى ذلك عظماء أهل بابل حسدوا دانيال ، واجتمعوا إلى بخت نصّر ، فقالوا له : لم يكن على الأرض ملك أعزّ من ملكنا ولا أعظم ، ولا قوم أهيب في صدور أهل الأرض منا حتى دانت لنا الأرض ، واعترفت لنا الأمم ، فليس يطمع فينا أحد ، وإنا نخبرك أن الأمم قد طمعوا فينا منذ قلّدت أمر ملكك هذا العبد الإسرائيلي ، وإنك لم تفعل هذا حتى أنكرت عقلك ورأيك ، وعجزت عن السياسة ، وقد نصحناك ، فقال لهم بخت نصّر : ما أنكرت عقلي ولا رأيي ، ولا تزيدني الأيام إلّا تجربة وعلما ، ولكنه كان نزل بي ما رأيتم ، فعجز عنه رأيي ، وعجزتم أنتم ، ففرّج عني ، فما ذا تنقمون أن عمدت إلى أحكم أهل الأرض فاستعنت به مع رأيي ، وكلّ ذلك أريد به صلاح أمركم وقوام ملككم؟ قالوا : فإن كان كما تقول ، أفليس يخبرك أن له ربا عظيما هو الذي يدبّر له أمره ويطلعه على الغيب؟ قال بخت نصّر : بلى ، يزعم أنّ له ربا لولاه لم يك شيئا ، ولا يعلم شيئا. قالوا له : هذا العبد الضعيف قدر على أن يتخذ إلها يخبره بما شاء ،