بذنوبهم فما بالنا؟! فأوحى الله إلى دانيال : إنّي مخلّصهم ، فعطف عليهم بخت نصّر فلم يقتلهم ، فلما أخرجوا صنمهم ليوم عيدهم ، دعوا هؤلاء العدّة من بني إسرائيل ، فقالوا لهم : اسجدوا لآلهتنا ، فقالوا : إنّ هذا ليس بإله نسجد له ، إنما هو خشب عملته الرجال ، فإن شئتم سجدنا للذي خلقه فاغتنموا خلافهم ليحرقوهم وليغيظوا بهم دانيال ، فكتفوهم ثم رموا بهم في تلك النار فباتوا فيها حتى أصبحوا ، فاطّلع بخت نصّر عليهم من قصره ، فرأى فيها خمسة نفر في النار ، ورأى خامسهم خلقا عظيما له ريش ، فرأى النار قد عادت جليدا ، وإذا صاحب الريش يكنفهم ويلحفهم بريشه من برد الجليد ، فلما نظر بخت نصّر إلى ذلك امتلأ رعبا ، فدعا قومه فقال : كم كنتم ألقيتم في النار؟ قالوا : أربعة. قال : فإنّ معهم خامسا له ريش وهيبة وجسم لا يقدر قدرها. قالوا : ليس لنا به علم ، فدعا دانيال ، فسأله. فقال : هؤلاء الأربعة أعرفهم فمن الخامس صاحب الريش؟ قال دانيال : الخامس الذي وكله الله بالظّل والبرد والثلج والجليد ، وهذه الخزائن بيده ، فأرسله إلى هؤلاء الفتية حتى صيّر النار جليدا حتى لا يضرّهم برد الجليد. وقيل : إن دانيال قال لبخت نصّر لما سأله عن الخامس ، قال : ذاك جبريل بعثه الله إليهم يروّح عنهم ويؤنسهم ، وقيل : إن بخت نصّر قال لدانيال : ألا أعلمتني حين عرض لهم فأحول بينهم وبين ما صنعوا بهم! قال دانيال : حملني على ذلك الرفق بك لما أدخل عليك أهل مملكتك ووثقت لهم بنصر الله ، وأن الله لم يخذلهم ، وأردت أن يرى قومك عزة الله وسلطانه وكيف يعزّ أولياءه ، فأمر بهم فأخرجوا من النار.
قال وهب : لما وقفوا بين يدي بخت نصّر قال : كيف بتّم البارحة؟ قالوا : بأفضل ليلة مرت علينا منذ خلقنا ، قال بخت نصّر : وهي أفضل من لياليكم في بلادكم؟ قالوا له : سبحان الله ومتى كنا نطمع في بلادنا ملائكة الرحمن أن يلحفونا بالريش ، ويردون عنا أذى البرد ، ويستغفرون لنا ، ويصافحونا! فأمرهم أن يلحقوا بدانيال فأكرمهم ، فلم يزالوا حتى أتى على ذلك ثلاث سنين ، ثم إن بخت نصّر رأى رؤيا أهول وأعظم مما كان رأى ، فأرسل إلى عظماء قومه ، فقال لهم : إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحوّل عنه رؤيا فيما يخيّل إليّ أشدّ من الأولى ، وخشيت أن يكون فيها هلاكي وهلاككم ، وذهاب ملككم وقد نسيتها فما ترون؟ فجعلوا علة عجزهم دانيال ، فقالوا : إنك عمدت إلى أسحر العالمين فوضعته عند رأسك ، فهو يفزعك بسحره ، ويريك الأحلام لينال منك المنزلة والكرامة ، فشأنك وشأنه ، وقد عمّرت قبله زمانا لا ترى شيئا تكرهه. وأنت مستغن برأيك ، فأدخلت على نفسك هذا البلاء ، فقال لهم بخت نصّر : أما عندكم غير هذا؟ قالوا : لا. قال : اخرجوا عني ، ثم دعا دانيال ، فقال :