فرسا ، فتحدّث به أصحاب الأرمال (١) ، وقالوا : إنه حدث في المروج حصان من الخيل ما رأينا مثله عظما وجسما ، لا يقوم له شيء ، ولا يرومه إنسان ، فجعل لا يمسخ في شيء إلا ذكر عظمه وقوته وتحدّث بذلك ، فلم يزل في ذلك سبع سنين وولده وملكه على حاله لم يتغيروا ، ولم يحدثوا فيه شيئا ، وكان يأمرهم دانيال أن لا يغيّروا من أمره شيئا حتى يرجع إليهم. وفي رواية ، وكان إذا مسخ في جنس ذكرا فاشتهى الإناث واغتلم حوّله أنثى ، فأحرم (٢) واشتهى الذكور حوّله الله ذكرا ، فكان لا يصل إلى شهوته من الجماع ، ولا يوصل إليه.
قالوا : وكان آخر خلق مسخ فيه بخت نصّر البعوضة ، فأقبل في صورتها يطير حتى دخل بيته ، فحوّله الله إنسانا ، فاغتسل بالماء ولبس المسوح (٣) ، وألقى جفن (٤) سيفه ، ثم خرج به صلتا (٥) يتوكأ عليه حتى برز إلى جنّاته ، فأمر بجمع قومه فاجتمعوا كأجمع ما كانوا قطّ ، ثم قال : يا أيها الناس إنّي وإياكم كنا نعبد من دون الله ما لا يضرنا ولا ينفعنا ، ولا يخلقنا ولا يرزقنا ، ولا يميتنا ولا يحيينا ، ولا يملك لنا من الله شيئا ، وإنّه قد تبيّن لي من قدرة الله في نفسي أن لا إله إلّا إله بني إسرائيل ، فمن بايعني على هذا أو أجابني إليه ، فأنا منه وهو مني ، وأنا وهو في الحق سواء ، ومن أبى وخالف ضربته بسيفي هذا ، وأشار به إليهم ـ وكان فيهم مهيبا ـ حتّى يحكم الله بيني وبينه ، ألا وإنّي قد أجّلتكم يومي هذا ، فإذا أصبحت فأجيبوني ، ثم انصرف عنهم ، فساعة دخل بيته وقعد على فراشه قبض الله روحه.
فقال وهب بن منبّه :
__________________
(١) كذا في مختصر ابن منظور ، وبهامشه كتب محققه : كذا بالأصل ولعله «الأزمال» بالزاي ، من النشاط والسرعة ، يقال : فرس أزمولة إذا انتشر في عدوه وأسرع.
(٢) حرمت المعزى وغيرها من ذوات الظلف وكذا الذئبة والكلبة حراما بالكسر ، إذا أرادت الفحل ، والاسم الحرمة وقال الجوهري : الحرمة هي شهوة الجماع ، وقد استعمل في الحديث لذكور الأناسي ، قال ابن الأثير : وكأن الحرمة بغير الآدمي من الحيوان أخص. (تاج العروس : حرم).
(٣) المسوح وأحدها المسح بالكسر ، وهو ثوب من الشعر غليظ ، (تاج العروس : مسح).
(٤) الجفن غمد السيف (تاج العروس : جفن).
(٥) الصلت : الجبين الواضح ، وقيل : الواسع ، وقيل : الأملس ، وقيل : البارز.
والصلت هنا : السيف الصقيل المنجرد الماضي في الضريبة ، يقال : أصلت السيف إذا جردته (تاج العروس : صلت).