صناعة ، ولا نعدّ الاختذاء بضاعة ، وإنها لأصعب علينا من وقع ظبى السيوف ، وأمرّ من تجرّع كاسات الحتوف. ولكن منع الاضطرار الاختيار ، وإنا كنا في عيش رقيق الحواشي فطواه الدهر بعد السعة ، وأفضى بنا بعد العلاء إلى الضّعة ، حتى لقد لبسنا أيدينا من القرّ (١) ، وأفنينا سرابيلنا (٢) من الضّرّ ، ولم نر دارا أعزّ من الدنيا ، ولا طالبا أغشم من الموت ، ومن عصف عليه الليل والنهار أردياه ، ومن وكل به الموت أفناه ، فرحم الله من أعطى من سعة ، أو وافى من كفاف ، أو آثر من خصاصه (٣). فلم يبق في المسجد أحد إلّا أعطاه.
[قال أبو بكر الخطيب](٤) :
[أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي ، حدثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي ببغداد ، حدثنا أبو بكر بن عبد الله الرازي المحتسب ببخارى ، حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن الربيع ، حدثنا كادح بن رحمة الزاهد ، حدثنا أبو حنيفة ومسعر وسفيان وشعبة وقيس وغيرهم عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»](٥).
[قال أبو الطيب أحمد بن علي بن محمد الطالبي الجعفري : حدثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله الرازي قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن إسماعيل السبيعي بحلب قال : أخبرني المنذر بن محمد القابوسي قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي الحسين بن سعيد ، قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو أيوب الإفريقي عبد الله بن علي قال : حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتناشدون عنده الشعر ويذكرون أمر جاهليتهم ، فيضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويتبسم إليهم](٦).
وسئل أبو زرعة عن مولده فقال : لست أحقه ، ولكنّي خرجت إلى العراق أول دفعة
__________________
(١) القرّ بالضم البرد ، أو يخص بالشتاء (القاموس).
(٢) السرابيل واحدها سربال ، والسربال بالكسر ، القميص أو الدرع أو كل ما لبس (تاج العروس : سربل).
(٣) الخصاصة بالفتح الفقر ، والخلل ، أو كل خلل وخرق في باب ومنخل وبرقع ونحوه. والخصاصة بالضم : ما يبقى في الكرم بعد قطافه ، والنبذ اليسير (القاموس المحيط).
(٤) زيادة للإيضاح.
(٥) ما بين معكوفتين استدرك عن تاريخ بغداد ٤ / ١٠٩.
(٦) ما بين معكوفتين استدرك عن بغية الطلب ٢ / ٦٩٠.