كنت مع المتوكل لما خرج إلى دمشق ، فركب يوما إلى رصافة هشام بن عبد الملك (١) يدور في قصوره وقصور ولده ، ثم خرج فدخل إلى دير هناك قديم (٢) من بناء الروم حسن البناء بين مزارع وأنهار ، فدخل ، فبينا هو يدور إذ بصر برقعة قد ألصقت في صدره فأمر بأن تقلع وتنزل فقلعت فإذا فيها مكتوب (٣) :
أيا منزلا بالدّير أصبح خاليا |
|
تلاعب فيه شمأل ودبور (٤) |
كأنّك لم يسكنك بيض أوانس |
|
ولم يتبختر (٥) في فنائك حور |
وأبناء أملاك عباشم سادة |
|
صغيرهم عند الأنام كبير |
إذا لبسوا أدراعهم فعنابس (٦) |
|
وإن لبسوا تيجانهم فبدور |
على أنّهم يوم اللّقاء ضراغم |
|
وأنّهم يوم النّوال بحور |
ولم يشهدوا الصهريج والخيل حوله |
|
لديه (٧) فساطيط لهم وخدور |
وحولك رايات لهم وعساكر |
|
وخيل لها بعد الصّهيل شخير |
ليالي هشام بالرّصافة قاطن |
|
وفيك ابنه ، يا دير ، وهو أمير |
إذ العيش غضّ والخلافة لدنة |
|
وأنت طرير والزّمان غرير |
وروضك مرتاض ونورك نيّر |
|
وعيش بني مروان فيك نضير |
بلى فسقاك الغيث صوب غمامة (٨) |
|
عليك لها (٩) بعد الرّواح بكور |
تذكّرت قومي خاليا فبكيتهم |
|
بشجو ومثلي بالبكاء جدير |
فعزّيت نفسي وهي نفس إذا جرى |
|
لها ذكر قومي أنّة وزفير (١٠) |
__________________
(١) رصافة هشام بن عبد الملك في غربي الرقة بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية ، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام ، وكان يسكنها في الصيف. (معجم البلدان ٣ / ٤٧).
(٢) هو دير الرصافة ، كما في معجم البلدان ٢ / ٥١٠ وهو من عجائب الدنيا حسنا وعمارة.
(٣) الأبيات في معجم البلدان «دير الرصافة» ٢ / ٥٠١.
(٤) الدبور الريح التي تقابل الصبا (القاموس).
(٥) في معجم البلدان : تسكنك ... تتبختر.
(٦) العنابس جمع عنبس ، وهو الأسد.
(٧) في معجم البلدان : ولم يشهد ... عليه.
(٨) صدره في معجم البلدان :
بلى فسقاك الله صوب سحائب
(٩) في معجم البلدان : بها.
(١٠) ليس البيت في معجم البلدان.