أحدهما : أن الظروف قد تقوم مقام الأخبار نحو قولك : إن زيدا خلفك ، فلما / كفت عن الخبر ، وقامت مقامه لم يضر كالأجنبي من الاسم ؛ وإن كانت في تقدير مفعول الخبر ، فجاز الفصل بها لأنها قد صارت كالخبر ، فأما غيرها من الأسماء فلا تقوم مقام الخبر فصار أجنبيا محضا فلم يجز أن تتخلل بين شيئين أحدهما (١) مع الآخر كالشيء الواحد.
والوجه الثاني : أن الظروف فيها اشتمال على الجملة التي تتعلق بها فقدمت الظروف وأخرت فقد صارت بهذا الاشتمال على الجملة والتعلق بها والاحتواء عليها بمنزلة بعض الجملة وما ليس بأجنبي من الاسم والخبر فجاز ذلك أن تفصل به ، فجاز الفصل بها ، ولم يجز بغيرها تقدير هذا المعنى والفصل به لأنه ليس له هذا المعنى الذي في الظروف.
فإن قال قائل : فما الذي أحوج إلى تقدير فعل مع الظروف غير الاسم المتقدم نحو قولك : إن زيدا خلفك ، والخلف غير زيد وهو في موضع خبره؟
قيل له : لا يجوز أن يكون ضمير فاعله وذلك الضمير يرجع إلى المخبر عنه ، فبان بما ذكرنا أن الخبر في الحقيقة استقر وأنه لا بد من تقديره لما ذكرناه. فأما الفعل الماضي والمستقبل إذا وقعا في خبر (إن) لم يتغيرا عن حالهما ؛ لأن (أن) قد بينا أنها من عوامل الأسماء ، وعوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال فسلمت الأفعال من عامل فيها ، فبقي الماضي على فتحه وارتفع المستقبل لوقوعه موقع الاسم.
فإن قال قائل : إذا كانت (إن) لا يجوز أن تعمل في الماضي والمستقبل كما لم تعمل في الظروف وقد جوزتم تقديم الظروف فهلا جوزتم تقديم الفعل؟
فالجواب في ذلك : أن الفعل وإن لم تعمل فيه (إن) فقد عملت في موضعه
__________________
(١) في الأصل : إحداهما.