فإن قال : فلم خصت الظروف وحروف الجر بالفصل بينها وبين ما تعمل فيه؟
فالجواب في ذلك : أن الظروف وحروف الجر ليس مما تعمل فيها (إن) وذلك أنك إذا قلت : إن زيدا عندك ، فعندك منصوب بإضمار فعل تقديره استقر عندك ، فاستقر في التحقيق هو موضع الخبر والظروف مفعولة فيها ، فإذا قدمت فلم تقدم شيئا قد عملت فيه (إن) ، وإنما لم يجز تقديم ما عملت فيه (إن) لضعفها ، فأما تقديم ما عمل فيه غيرها فليس بمنكر إذا كان ذلك العامل فعلا ، والفعل يعمل في مفعوله مقدما ومؤخرا.
فإن قال قائل : أليس عندكم أنه لا يجوز كانت زيدا الحمى تأخذ ، لأن زيدا منصوب (١) بتأخذ وتأخذ الخبر كما أن الظرف منصوب باستقر ، واستقر هو الخبر ، فمنعتم من وقوع زيد بين كان واسمها لأنه بمنزلة الأجنبي فلم تجز الفصل بين كان واسمها إذا كان الفعل والفاعل كالشيء الواحد فهلّا منعتم من جواز الفصل بين إن واسمها بالظرف إذ قد صار كالأجنبي وحكم اسم إن كحكم اسم كان ، وإن كان أحدهما منصوبا والآخر مرفوعا لاشتراكهما في أنهما كانا مبتدأين دخلت عليهما إن وكان؟
فالجواب في ذلك : أن كان وإن حكمهما واحد فيما سألت عنه ونظير مسألتنا أنه يفصل بين كان واسمها بظرف قد عمل فيه الخبر كما جوزنا الفصل بين إن واسمها بظرف قد عمل فيه خبرها ، فلو قلت : كان خلفك زيد قائما ، لجاز ، ولو قلت : إن زيدا عمرا ضارب ، لم يجز في كان.
فإن قال قائل : من أين خالفت الظروف لسائر الأسماء حتى جاز الفصل بها؟
فالجواب في ذلك من وجهين :
__________________
(١) في الأصل : منصوبا.