ولزم في (أن) من الإضمار فيها لأن (أن) تعمل في جميع اللغات عمل الفعل فكان يجب أن يقع الإضمار فيها كوقوعه في الفعل ولم يجز أن يستتر الضمير في (ما) ولا يتصل بها وإن عملت الرفع لأنه قد يبطل عملها في جميع اللغات إذا تقدم خبرها فلم يعتد بها وجرت مجرى ما لا يعمل / من الحروف فلهذا لم يجب فيها من الحكم ما وجب في (أن) وأخواتها ، وقد دخل في هذا الفعل من علّة مخالفة عملها لعمل الفعل في نصبها لما يليها ورفعها للخبر.
فإن قال قائل : أليس إذا نصبت الاسم ورفعت الخبر فقد عملت في الخبر وقد قلت إن (ما) تعمل في الاسم رفعا يجب أن يستتر فيها ضميره وهذا الشرط غير موجود فيها ، وإن رفعت؟
فالجواب في ذلك أن الذي منع من استتار ضمير ما رفعته إذ كان مؤخرا أنه لا يجوز تقديمه إذا كان مظهرا فلما كان الظاهر لم يجز تقديمه إذا كان مظهرا لم يجز أيضا تقديم ضميره ، فلهذا لم يجز أن يستتر ضمير ما رفعته إذا كان مؤخرا ، ويجب استتاره لو وقع مقدما إذ لا مانع يمنع من ذلك.
فإن قيل : فهلّا كان المانع مما رفعته (أن) لو وقع متقدما هو أنها حروف لا يصح الإضمار فيها؟
قيل له : إنما يجب ما ذكرته لو كان لا طريق إلى إعمالها إلا على هذا الوجه ، فأما إذا جاز أن تعمل عمل الفعل على طريق يشبه عمل الفعل كان أولى من أن تعمل عمله ولا تجري مجراه.
فإن قيل : فما الذي منع من التقديم والتأخير؟
قيل له : ضعفها في أنفسها إذ كانت حروفا لا تصرف في أنفسها فإنما عملت بالتشبيه به فألزمت وجها واحدا.