كان العطف على الموضع يعرض فيه ما ذكرنا من القبح وكان العطف على موضع الضمير المرفوع في كل موضع قبيحا من غير توكيد فاجتمع مع شيء غير مستقبح وجب أن يكون العطف على الموضع أقوى من العطف على الضمير لسلامته من القبح ، وحصول القبح في العطف على الضمير ، يدل على صحة ما ذكرناه أنه لا فرق بين أن تقول : جاءني هذا وعمرو ، وبين قولنا : جاءني زيد وعمرو وإن كان زيد يتبين فيه الإعراب وهذا لا يتبين فيه الإعراب ، فكذلك حكم (إن) وما بعدها لا فرق بين العطف على الموضع وبين العطف على المبتدأ لو تجرد من (إن).
فإن قال قائل : فهل يجوز أن تعطف على الموضع قبل (١) تمام الخبر نحو قولك : إن زيدا وعمرو قائمان؟
قيل له : لا.
فإن قال : فما الفصل بين جوازه بعد تمام الخبر وامتناعه قبل الخبر؟
فالجواب في ذلك أن الذي منع من المسألة الأولى أن شرط ما يعمل في الاسم أن يعمل في الخبر ، فإذا قلنا : إن زيدا قائم ، فزيد نصب بإن وقائم رفع بإن ، وإذا قلنا : إن زيدا وعمرو قائمان ، وجب أن يرفع عمرو بالابتداء لأنه عطف على موضع الابتداء ووجب أن يعمل في خبر عمرو الابتداء وفي خبر زيد أن وقد اجتمعا في لفظة واحدة وهو قوله : قائمان فكان يؤدي إلى أن يعمل في اسم واحد عاملان وهذا فساد ، فلهذا صحت المسألة والفراء / يجيز مثل المسألة الأولى (٢) إذا كان اسمان أحدهما مكنى أو مبهم لا يتبين فيهما الإعراب نحو :
__________________
(١) في الأصل : فهل وهي لا تناسب المعنى المراد.
(٢) قال الفراء : " ... ولا أستحب أن أقول : إن عبد الله وزيد قائمان لتبيّن الإعراب في عبد الله وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا ... وقيار ليس هذا بحجة للكسائي في إجازته (إن عمرا وزيد قائمان) لأن قيارا قد عطف على اسم مكنّى عنه ، والمكنّى عنه لا إعراب له فسهل ذلك" معاني القرآن ١ / ٣١١.