فإن قال قائل : فلأي زمان تستعمل؟
قيل له : لنفي الحال والاستقبال (١) / كقولك : ليس زيد قائما أمس.
فإن قيل : فلم خصت بنفي الحال دون الماضي؟
قيل : لما كان الأصل فيها أن تتصرف في جميع الأزمنة الثلاثة ومنعت ما تستحقه من التصرف لشبه الحرف ، وجب أن يبقى لها أكثر حكمها ولا يزيلها الشبه من أكثر حكمها ؛ فجعلت لنفي زمانين ومنعت زمانا واحدا وهو الماضي (٢) ، لأن لفظ زمان الحال والاستقبال واحد لما تضمن من كثرة الفائدة ، ويجوز أن تكون لما تعينت لنفي الحال والاستقبال اللذين يدل عليهما لفظ الماضي استغنى عن أن يستعمل منها لفظ المضارع.
فإن قال قائل : فهلا استعمل لفظ المضارع ، وأسقط لفظ الماضي؟
ففي ذلك ثلاثة أجوبة :
أحدها أن الحروف أشبه بالفعل الماضي من المضارع ، لأن الماضي مبني كبنائها ، وقد بينا أن بدخول النفي أشبهت الحروف فوجب أن يستعمل اللفظ الذي أشبه الحروف دون ما لا يشبهها فلهذا خصت بالماضي.
والوجه الثاني : أن الماضي أخف في اللفظ من المستقبل فوجب أن يستعمل الأخف لأنّا نصل به إلى ما لا نصل بالأثقل.
والوجه الثالث : أن المضارع فرع على الماضي من جهة اللفظ ، ألا ترى أن لفظ الماضي ليس فيه زائد ولفظ المضارع يتضمن لفظ الماضي وزيادة حرف ، فكان استعمال لفظ الأصل أولى من استعمال لفظ الفرع.
__________________
(١) انظر في ذلك الصاحبي ١٤٠.
(٢) تفيد (ليس) نفي الحال ، ولا تنفي غيره إلّا بقرينة. انظر المغني.