والوجه الثاني أن يكون العامل في الخبر المبتدأ أو الابتداء جميعا ، وإنما وجب ذلك ؛ لأن المبتدأ لا ينفك من الابتداء فلا يصح للخبر معنى إلا بتقدمهما جميعا فوجب أن يكونا جميعا العاملين وكلا القولين جيد.
واعلم أن المبتدأ إذا كان خبره ظرفا أو اسما متعلقا بحرف جر فتقديمه وتأخيره سواء ، كقولك : زيد عندك ، وعندك زيد ، فزيد مرتفع بالابتداء في الوجهين جميعا ، وكذلك : المال لزيد ولزيد المال.
فإن قال قائل : أليس إذا قلنا زيد عندك ، فعندك منصوب بإضمار فعل تقديره زيد استقر عندك ، فإذا قدمت عندك على زيد فكيف يصلح أن ترفع زيدا بالابتداء وقد تقدمه استقر وهو فعل؟ فالجواب في ذلك أن استقر لو كان تقديره على ما سألت عنه لم يجز أن ترفع زيدا بالابتداء وإنما استقر مؤخر بعد ذكر الابتداء وخبره.
فإن قيل : / فمن أين لك أن التقدير يجب على ما ذكرت دون أن يكون على ما سألنا عنه؟
قيل له الدليل على ذلك أنّا نقول : إن عندك زيدا ، فتنصب زيدا بإن ، ولو كان استقر مقدرا بين عندك وزيد (١) لم يجز أن تتخطاه (إن) فتعمل في زيد ، فقد بان بما ذكرنا أن الظرف تقدم أو تأخر فلا يمنع الاسم من الابتداء ، وأما أبو الحسن الأخفش فكان يجيز أن يرفع زيدا بتقدير استقر إذا تقدمت الظروف (٢) ويجيز ما ذكرناه سيبويه فإذا لزم الأخفش ما ذكرناه من قولك : إن عندك زيدا ، لم يلزمه
__________________
(١) في الأصل : وزيدا.
(٢) انظر شرح الكافية في النحو للاستراباذي ١ / ٩٤ (دار الكتب العلمية) ، وفيه يبين قول الأخفش هذا ، وعده أحد قوليه ، أي أن له رأيا آخر في المسألة. وقد نسب هذا الرأي أيضا للكوفيين لاعتقادهم أن الخبر لا يتقدم على المبتدأ مفردا كان أو جملة.