يرجع إلى مذكور قبله فرتبة المفعول باقية مع التقديم لما ذكرناه ، ورتبة الفاعل ذاهبة مع التقديم من أجل الابتداء الذي لا يظهر له عامل لفظي.
فإن قال قائل : فهلا نوي بالفاعل التأخير ، وإذا نوي به التأخير لم يجز كونه مبتدأ؟
فالجواب في ذلك : أن هذا لا يصح وذلك أن شرط الفاعل إذا كان بعد الفعل أن يقوم مقامه غيره وهو موجود نحو : قام زيد ، فمحال أن تذكر فاعلا للقيام من غير عطف ولا تثنية مع وجود زيد ، فلما كان زيد إذا تقدم على الفعل بهذه المنزلة استحال وجود فاعل سواه فإذا جاز أن يكون لهذا الفعل فاعل سوى زيد علمنا بهذه الدلالة أن زيدا قد خرج من أن يكون فاعلا نحو قولك : زيد قام أبوه ، فالقيام للأب لا محالة ، فوجب أن يكون زيد مرتفعا بغير هذا الفعل وهو الابتداء.
ووجه آخر : وهو أن الفاعل لو كان مرتفعا بفعله إذا تقدم لم يختلف حال الفعل ، فلما وجدناه مختلفا علمنا أنه ليس مرتفعا بفعله إذا تقدم على الفعل وذلك ظهور علامة التثنية والجمع كقولك : الزيدان قاما ، والزيدون قاموا.
فإن قال قائل : قد قالت العرب : أكلوني البراغيث ، فأظهروا علامة الجمع في الفعل وإن كان الفاعل ، كما يظهرونها إذا تقدم على الفعل؟ قيل له : إنما يحكى مثل هذا على طريق الشذوذ وليس بمستقيم في كلامهم ، ولو كان لا فرق بين تقديم الفاعل وتأخيره لوجب أن يستوي استعمال الفعل في كلامهم ، فلما اختلف على ما ذكرناه حال الفعل لم يصح الاعتراض بما يجري مجرى الشذوذ.
فإن قال قائل : فما السبب في إظهار علامة التثنية والجمع في الفعل إذا تقدمه الفاعل ولم يحسن إذا تأخر الفاعل؟
فالجواب في ذلك أن الفاعل إذا تقدم الفعل ارتفع بالابتداء ، ولا بد للفاعل من فعل ، فإذا لم يظهر الفاعل بعده استتر فيه ضمير الفاعل كقولك : زيد قام ،