قيل له : لأن حسبت ، خلت ، قد علمت أن بابها الشك ، وهو التعدي إلى مفعولين ، وحوّلت ظننت من باب الشك إلى باب التهمة إذ كان ذلك إخراجا لها عن أصلها ، وجواز هذا المعنى في واحدها يغني عن سائرها ، فلهذا خالفت ظننت أخواتها ، فأما علمت ، ورأيت ، ووجدت ، فاستعملت على المعنيين اللذين ذكرناهما في الشرح فجاز أن يختلف عملهما لاختلاف معناهما (١).
وأما الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين إذا لم يسم فاعلها نحو : أعلمت ، وأريت ، وأنبئت ، ونبّئت ، فالأصل : علم ورأى ونبأ ونبّأ فلما دخلت عليها الهمزة وشددوا عين الفعل صارت متعدية إلى ثلاثة مفعولين ، وقد بينا أن المفعول كان في الأصل فلم يجز إلا تعديتها ، كان أبو عثمان المازني (٢) يجيز الاقتصار على المفعول الأول كقولك : أعلمت زيدا [وتنبأت وعلى هذا القياس يجوز ذلك في ثاني الأفعال ليجري الأمر فيها مجرى واحدا (٣). واعلم أن أعلمت](٤) إذ لم تسم الفاعل فيها ثم وسطتها بين المفعولين فالقياس فيها ألا تلغى (٥) كإلغاء ظننت لأنها قد صارت بالنقل الذي دخل فيها بمنزلة الفعل المتعدي في الحقيقة ، ألا ترى أنك إذا قلت : أعلمت زيدا عمرا خير الناس ، فقد أوصلت إلى زيد علما ، كما أنك إذا قلت : أعطيت زيدا درهما ، فقد أوصلت إلى زيد درهما فلهذا خالفت باب ظننت وأخواته فاعلمه.
__________________
(١) في الأصل : معناها.
(٢) هو : أبو عثمان بكر بن محمد بن عثمان المازني (ت ٢٤٨ ه) ، وقد اختلف في اسم أبيه وتاريخ وفاته ، أخذ عن الأخفش. انظر : طبقات الزبيدي ٩٢ ، والإنباه ١ / ٢٤٦ ، والبغية ٢٠٢ ، وكتاب (أبو عثمان المازني ومذاهبه في الصرف والنحو) ، لرشيد عبد الرحمن العبيدي.
(٣) في الأصل : واحد.
(٤) كتبت في الأصل على الهامش.
(٥) نقل ذلك السيوطي معزوا إلى الورّاق (كما صرّح به الورّاق في علله) في كتابه الأشباه والنظائر (باب ذكر ما افترق فيه باب ظن وباب أعلم) ٤ / ٤٤ مؤسسة الرسالة.
وهذا المذهب أيضا أخذ به ابن السرّاج حيث أجاز الاقتصار على المفعول الأول مطلقا ، انظر : شرح الكافية للاستراباذي ٢ / ٢٧٦ ، وانظر : الهمع ، جواز حذف المفاعيل أو بعضها : ٢ / ٢٥٠ (دار البحوث العلمية)