قيل : أما قولهم حسبت ذاك ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون ذاك إشارة إلى المصدر (١) كأنك قلت : حسبت ذاك الحسبان ، وكل فعل يجوز أن يقتصر على فاعله إن شئت عديته إلى المصدر أو الظرف أو الحال ، فلما كان ليس يراد به المبتدأ حتى تحتاج إلى خبر جاز قولك : حسبت ذاك فجرى مجرى حسبت فقط.
والوجه الثاني : أن ذاك يعبر عن الجملة ، فلما صار عبارة عن الجملة جاز أن يكتفي به عن المفعولين ، ألا ترى أن القائل يقول : زيد منطلق / فتقول له : قد بلغني ذاك ، تريد به ما تقدم من الجملة ، وأما (٢) اقتصارهم ب (إن) وما بعدها عن المفعولين فلأن (إن) تدخل على المبتدأ والخبر كدخول ظننت عليهما فلما حصل بعد (إن) ما تقتضيه هذه الأفعال استغنى الكلام بذلك ؛ لأن الفائدة قد حصلت ، وصار دخول (إن) لتوكيد الظن ، وأما إذا أسقطت لفظ الجملة بعد (إن) وجئت بلفظ المصدر لم يجز الاقتصار على ذلك ؛ إذ كانت ليست في لفظ الجملة وإنما هو اسم مفرد ، وقد بينا أن هذه الأفعال لدخولها على المبتدأ والخبر لا يقتصر بها على مفعول واحد ، وفي إيجاب المفعولين بعد هذه الأفعال علّة أخرى ، وهو أن قولك : حسبت زيدا منطلقا قد بينا أن الحسبان قد وقع في الانطلاق ، فلو اقتصرت على ذكر الانطلاق لم يعلم لمن هو ، ولو ذكرت زيدا وحده كنت قد أتيت باسم لم يقع فيه شك فاقتصرت عليه ، ولا يجوز أن تأتي بلفظ لا فائدة له فصار كل واحد من المفعولين لا بد له من الآخر فاعرفه.
فإن قال قائل : فلم صار بعض هذه الأفعال قد يجوز أن تتعدى إلى واحد مرة وإلى اثنين وهو ظننت ، ورأيت ، وعلمت ، ووجدت ، والقسم الثاني ليس له إلا طريقة واحدة؟
__________________
(١) انظر الأصول ١ / ١٨١ فقد أشار ابن السرّاج إلى ذلك وتحدث عنه.
(٢) في الأصل : وما.