تباينت (١) المعاني لم يجز أن يجعل أحدهما أصلا للآخر ، فإذا كان قد فسد أن يجعل الاستفهام أصلا للتعجب ثبت ما ذكرناه ، وأما احتجاجهم بالتصغير فساقط ، وذلك أن فعل التعجب قد لزم طريقة واحدة فجرى في اللفظ مجرى الأسماء ، فأدخلوا عليه التصغير تشبيها بالاسم ، وليس يجب أن يكون الشيء إذا حمل على غيره لشبه بينهما أن / يخرج من جنسه ، إلا أنّ اسم الفاعل قد عمل عمل الفعل ، ولم يخرجه ذلك عن أن يكون اسما (٢) ، وكذلك فعل التعجب وإن صغّر تشبيها بالاسم فلا يجب أن يكون اسما.
ووجه آخر وهو أن الفعل يدل على مصدره وإذا زادوا ياء التصغير أرادوا تحقير الجنس الذي وقع فيه التعجب ، وهو المصدر بعينه فلم يمكنهم لعدم لفظ المصدر فأدخلوا التصغير على الفعل وهم يريدون به المصدر ؛ لأنه مشبه (٣) به ودال عليه ، فإذا كان التصغير دخل على الفعل على طريق العارية لا على طريق التحقيق لم يكن تصغيره دلالة على أنه اسم ، وأما تصحيحه فلما ذكرناه من تشبيهه بالاسم إذ قد لزم طريقة واحدة ، كما يصح الاسم.
فإن قال قائل : فما أوجه تصحيح الاسم؟
قيل له : ليفصل بينه وبين الفعل ، وذلك أن ما كان على أفعل وهو صفة لا ينصرف ، فإذا لم ينصرف لم يدخله الجر ولا التنوين ، كما أن الفعل لا يدخله جر ولا تنوين ، فلو أعللنا الاسم كما يعل الفعل لم يقع بينهما فصل فجعل التصحيح فصلا بينه وبين الاسم. وإنما كان الاسم بالتصحيح أولى من الفعل ، لأن الفعل يتصرف فتدخل الحركات على حروف المد في تصاريف الفعل وذلك مستثقل ، والاسم يلزم طريقة واحدة والحركة إنما تدخل على حرف المد في الاسم في موضع واحد فكان أولى بالتصحيح من الفعل لما ذكرناه.
__________________
(١) في الأصل : تباين.
(٢) في الأصل : إلى أن يكون اسما.
(٣) في الأصل : مشيب.