وكان المنصوب بعده وإن كان معرفة يشبه التمييز وإن كان ليس بتمييز في الحقيقة ، ووجه شبهه بالتمييز أنك إذا قلت ما أحسن ، فقد أبهمت فإذا ذكرت زيدا أو عمرا بينت من الذي قصد بالإخبار عنه بهذا المعنى ، وإن لم تجعل نصبه على هذا المعنى ؛ لأن فعله مقول عنه ، فجرى مجرى المفعول الذي يتعدى (١) إليه الفعل ، وخرج عن حكم التمييز ، وهو مع ذلك يجري مجرى المثل لا يفارقه لفظه في المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، والأمثال حقها ألا تغير عما سمعت ، فلما اجتمع في فعل التعجب هذه الجهات التي ذكرناها منع الفصل بينه وبين مفعوله إذ كانت الأشياء حقها ألا يفصل بينها وبين ما تعمل فيه ، فأما من أجاز الفصل بينه وبين معموله بالظرف وحروف الجر (٢) فقال إن فعل التعجب وإن لم يتصرف فليس يكون أضعف من الحروف ؛ لأنه لم يخرج من الفعل إذ لم يتصرف ، وقد وجدنا الحروف الناصبة يفصل بينها وبين ما تعمل فيه بالظرف ، فكان [فعل التعجب](٣) أولى بجواز الفصل ، وهذا لا يدخل على ما ذكرناه ؛ لأن اجتماع الأمور التي ذكرناها مجموعها منع الفصل ، وأما إذا انفرد بعض أوصافه فليس يجب أن يجري حكمه مجرى مجموع الأوصاف.
فإن قال قائل : قد قالت العرب ما أحسن بالرجل أن يفعل الجميل [وقد فصل بين](٤) التعجب وما عمل فيه بحرف الجر؟
قيل له : لا يلزم ، وذلك إن كان أوقع التعجب بأن ، وقع بها فهي وما بعدها مصدر والمصدر إنما يقع من الرجل المخصوص ؛ لأن معنى الكلام : ما أحسن فعل
__________________
(١) في الأصل : يتعدا.
(٢) أجاز ذلك الفراء ، والجرمي ، وأبو علي ، والمازني ، وأجاز ابن كيسان توسيط الاعتراض بلولا الامتناعية ، ومنع ذلك الأخفش والمبرد.
انظر تفصيل ذلك في شرح المفصل ٧ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ، والكافية شرح الاسترباذي ٢ / ٣٠٩.
(٣) كتبت في الأصل على الهامش.
(٤) زيادة ليست في الأصل.