تقدير ضمير يرجع إلى المبتدأ ، وأما قوله : أحسن بزيد فلم يتقدم قبله ما يدل على الإضمار / فإذا أمكننا أن نحمل الكلام على ظاهره كان ذلك أولى من التأويل البعيد.
فإن قال قائل : فما وجه استعمال فعل التعجب على لفظ الأمر وإدخال الباء معه؟
قيل له : يجوز أن يكون أرادوا بذلك المبالغة في المدح فأدخلو الباء لأنهم قدروه بأحسن أثبت بزيد ، فلما أرادوا هذا المعنى أدخلوا الباء إذ كان أثبت يتعدى بحرف الجر ودخله معنى حسن جدا ؛ لأن لفظ الأمر فيه طرف من المبالغة ، فلهذا أجازوه ، ويجوز في إدخال الباء وجه آخر ، وهو أنهم أرادوا أن يفصلوا بين لفظ الأمر الذي هو يراد به التعجب وبينه إذ كان أمرا في الحقيقة. واعلم أن لفظ (أحسن بزيد) ، لا يتغير (١) لواحد خاطبت أو لاثنين أو لجماعة أو لمؤنث أو لمذكر كقولك : يا زيد أحسن بعمرو ، يا هند أحسن بعمرو ، وإنما لم يختلف لفظه لأنك لست تأمره أن يفعل شيئا ، وإنما هذا اللفظ بمنزلة قولك : ما أحسن عمرا فبما أن (ما أحسن عمرا) لا يتغير فكذلك ما قام مقامه.
واعلم أن الفصل بين فعل التعجب وما عمل فيه لا يجوز هكذا ذكر سيبويه (٢). وقد أجاز بعضهم الفصل بينهما بالظروف وحروف الجر ، فأما امتناع الفصل ؛ لأن أحسن قد لزم طريقة واحدة فقد شابه من هذا الوجه الحروف في العمل ،
__________________
(١) في الأصل : لا تغير.
(٢) ذكر سيبويه أن هذه الصيغة لا يزال فيها شيء عن موضعه لأنهم لم يريدوا أن تتصرف فجعلوا لها مثالا واحدا تجرى عليه قال : " ولا يجوز أن تقدم عبد الله وتؤخر ما ولا تزيل شيئا عن موضعه ، ولا تقول فيه ما يحسن ولا شيئا مما يكون في الأفعال سوى هذا ... هذا لأنهم لم يريدوا أن يتصرف فجعلوا له مثالا واحدا يجرى عليه ...".
انظر الكتاب (باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه) ١ / ٣٧ (بولاق).