هذه الظروف أقيمت مقام الفعل والفاعل اتساعا فليس يجب أن تتصرف تصرفه ، أعني تصرف الفعل فما اشتقته العرب قلناه وما تركته على أصله لم نجاوزه إلى غير ذلك.
واعلم أنك إذا قلت : عليك زيدا ، فللمخاطب ضميران مجرور ومرفوع ، فالمجرور الكاف الظاهرة والمرفوع مستتر في النية ، فإذا أردت أن تؤكد المرفوع أو تعطف عليه جاز ذلك كقولك : عليك أنت نفسك زيدا ، وعليك أنت وعمرو زيدا ، ولا يحسن إذا أردت العطف على المضمر المرفوع أن تسقط توكيده ، وقد بينا ذلك ، فإن أردت أن تعطف على الكاف لم يجز ؛ لأن المضمر المجرور لا يعطف عليه الظاهر إلا بإعادة حرف الجر ، ومع هذا إنك لو أردت أن تعيد حرف الجر لم يجز ؛ لأنه يصير اللفظ عليك وعلى زيد عمرا ، فيصير أمر الغائب المخاطب ، وقد بينا أن هذا لا يجوز في هذه الحروف ، فإن أردت أن تؤكد الكاف جاز ذلك نحو : عليك نفسك زيدا ، وقد يجوز أن تجعل النفس مفعولة كما قال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [المائدة : ٥ / ١٠٥](١) أي : اتقوا أنفسكم ، وما أشبه ذلك على ما ذكرناه أو تقول : عليك نفسك نفسك نفسك ، فترفع الأول على التوكيد للضمير المرفوع المتوهم الفاعل ، وتجر الثانية على التوكيد للكاف ، وتنصب الثالثة على الإغراء ، إلا أن الأحسن إذا أردت التوكيد بالنفس للمرفوع أن تقدم (أنت) لما بيناه من اختلاط الفعل للفاعل ، وإن النفس قد تستعمل غير مؤكدة كقولك : خرجت نفسه ، فلما جرى مجرى ما لا يكون تابعا استقبحوا أن يتبعوها ما قد جرى مجرى بعض الفعل حتى يؤكدوا ذلك فيقوى بالتوكيد كما ذكرنا في العطف.
__________________
(١) والآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.)