ولا تحتاج إلى ذكر الفاعل ، والفعل لا يجوز أن تذكره خاليا من الاسم ، فوجب أن يكون المصدر لاستغنائه عن الفاعل أصلا للفعل لافتقار الفعل إليه.
ووجه رابع : وهو أن المصدر في اللغة هو الموضع الذي (١) تصدر عنه الإبل وترده ، فلما استحق هذا الاسم وجب أن يكون الفعل صادرا عنه وإذا كان صادرا وجب أن يكون فرعا.
فإن قال قائل : ما تنكرون أن يكون المصدر لا يراد به الموضع وإنما يراد به المفعول أي المصدور به عن الفعل كما تقول : مركب فاره ، وكما يقال : مشرب عذب أي شرب عذب؟
قيل له : هذا يفسد من وجهين :
أحدهما : أن الألفاظ إذا أمكن تأويلها على ظاهرها فليس ينبغي أن يعدل عن الظاهر إلا بدلالة ، فإذا كان ظاهر المصدر يوجب أن يكون اسما للموقع ها هنا ما يمنع من ذلك وجب أن يحمل على ظاهره وإذا كان كذلك فيجب أن يكون اسما للموضع على ما ذكرناه.
والوجه الثاني أن قولهم : مركب فاره ، ومشرب عذب يجوز أن يكون موضع المركوب والمشروب ، وإنما ينسب (٢) إلى الفراهة والعذوبة للمجاوره كما يقال : جرى النهر ، وإنما يجري الماء في النهر.
فإن قال قائل : قد رأينا المصدر يصح بصحة الفعل ويعتل باعتلاله ، فيجب أن يكون فرعا له إذ تبعه في الاعتلال والصحة كقولك : قمت قياما ، فاعتل قيام لعلّة قام ، ولو صح الفعل لصح المصدر كقولك : قاومته قواما (٣)؟
__________________
(١) في الأصل : التي.
(٢) في الأصل : يسب.
(٣) هذا التساؤل من أدلة الكوفيين على أن المصدر مأخوذ من الفعل ، انظر الإيضاح ٦٠.