فإن قال قائل : من أين زعمتم أن الأصل في جميع هذه الظروف أن يكون الفعل متعديا إليها بتوسط حرف الجر؟
قيل له : لأن الأفعال التي تتعلق بها وتنصبها غير متعدية ، كقولك : قمت يوم الجمعة ، وقمت لا يتعدى ، ولما كانت الأفعال لا تتعدى تعدت بحرف الجر ، فكانت هذه الظروف مفعولا فيها في الحقيقة وجب أن يكون الأصل قمت في يوم الجمعة ، فحذف حرف الجر لما ذكرناه ، ووصل الفعل.
فإن قال قائل : أليس الحال مفعولا فيها ، فهل تقدر تقدير حرف الجر فيها كتقديره في الظروف؟
قيل له : الحال وإن كانت في معنى المفعول فليس حرف الجر مقدرا فيها كتقديره في الظرف فتحل الأفعال فيه فتنصبه ، والحال هي الاسم التي هي منه فاعلا كان أو مفعولا أو مجرورا كقولك : جاء زيد مسرعا ، فالمسرع هو زيد ، وليس بظرف ، فوجب أن يكون (مسرع) ليس بظرف له ولكنه مشبه بالظروف ، إذ كانت الحال تذكر على طريق توقيف الفعل وتبينه ، وكيف وقع ، كما يبين الظرف إن وقع مشابهة (١) الحال للظروف ، فقيل مفعولا فيها على التشبيه بالظروف ، لأن حروف الجر مقدرة فيها ، ألا ترى أنه لا يجوز إظهاره بحال ، والظروف إذا كني عنها ظهر حرف الجر مع المضمر كقولك : قمت يوم الجمعة ، فإذا أضمرت قلت : قمت فيه ، (٢) والحال لا يصح فيها هذا فجرت مجرى قولنا : إن زيدا مفعول به ، ليس قولنا : ضربت زيدا مقدرا معه حرف الجر ولكنه محمول على هذا المعنى ، وكذلك الحال لما شبهت بالظروف قيل مفعول فيها ؛ لأن حرف
__________________
ـ ومختصة ، فكما أن الفعل غير المتعدي لا يتعدى إلى زيد وعمرو ، كذلك إلى هذا النحو من الأماكن". انظر التعليقة على كتاب سيبويه ١ / ٢١٦.
(١) في الأصل : فشابهه.
(٢) انظر التعليقة على كتاب سيبويه ١ / ١١٨ ـ ١١٩.