الجر مقدر فيها ، وإذا قلت : زيد خلفك ، فإنما وجب تقدير الاستقرار ، لأن زيدا مبتدأ فلا بد له من خبر ، والخبر يحتاج أن يتعلق بالمخبر عنه ، فلو لم تقدر الاستقرار لم يتعلق الخبر بزيد ، وأما القتال اليوم فلا يجوز أن يكون اليوم منصوبا (١) بالقتال ؛ لأنه لو انتصب به لصار من صلته فبقي المبتدأ بلا خبر ، وإذا كان كذلك وجب أن تقدر بعد القتال فعلا ينتصب اليوم به.
فإن قال قائل : فمن أين جاز أن تقوم المصادر مقام الظروف في قولهم : زيد مني مزجر الكلب ، (٢) وأتيتك مقام الحاج؟
قيل له : لأن الفعل لما كان دالا على المصدر والزمان دلالة واحدة اشتركا من هذا الوجه وإن الأفعال تقتضي الزمان فجرت المصادر مجرى الزمان فجاز أن تخلفها. /
فإن قال قائل : فهل يجوز القياس على ما سمع من العرب ، فيقال مكان السارية؟ قيل له : لا يجوز ذلك والسبب فيه أن هذه المصادر لما كانت معلومة المواضع في القرب والبعد جعلت تمثيلا للقرب والبعد ، فإذا قلت : زيد مني مقعد القابلة (٣) ، دل ذلك على قربه مني إذ كانت القابلة قد استقر قربها ممن تقبله في النفوس ، فإذا قلت : هو مني مزجر الكلب ، دل على إبعاده وإهانته ، فأما مكان السارية ومربط الفرس (٤) فليس لها مواضع مخصوصة ، وقد تكون قريبة وبعيدة ، فلما لم يستقر حكمها على قرب مخصوص ولا على بعد مخصوص ولم يجز أن تجعل تمثيلا لأحدهما لاحتمال أمرين فاعرفه ...
__________________
(١) في الأصل : منصوب.
(٢) الكتاب ١ / ٢٠٥ (بولاق) ، والرمّاني النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه : باب المكان المختص الجاري مجرى المبهم ص ٣٥٢.
(٣) الكتاب ١ / ٢٠٥ (بولاق).
(٤) الكتاب ١ / ٢٠٦ (بولاق). قال سيبويه في ذلك : فاستعمل من هذا ما استعملت العرب ، وأجز منه ما أجازوا.