أحدهما : أن يكون الابتداء بالشك أو التخيير ، وإنما احتاجوا إلى ذلك لئلا يتوهم أن ما قبل (إما) منقطع مما بعدها ؛ لأنه قد يستأنف بعدها الكلام ، فأدخلوا (ما) في الكلام ليعادلوا بين الاسمين إن شاء الله (١).
وأما (بل) فتستعمل على ضربين :
أحدهما : بعد النفي ، والآخر : بعد الإيجاب.
وإذا استعملت بعد النفي كان خبرا بعد خبر والثاني موجب والأول منفي ، كقولك : ما جاء زيد بل عمرو.
وإن استعملت بعد الواجب فما قبلها يذكر على وجهين :
إما على طريق الغلط ، وإما على طريق النسيان ، كقولك : جاء زيد بل عمرو ، وإنما صار الأول غلطا أو نسيانا ؛ لأنك أثبت للذي أتيت به بعد الأول المجيء ، وأضربت به عن الأول فعلم أنه مرجوع فيه ، وما جاء في القرآن من كلام الله تعالى و (بل) مستعملة فيه بعد إيجاب ، فهو على تقدير خبر واجب ؛ لأن الله عزوجل لا يجوز عليه الغلط والنسيان (٢) ، فلهذا قدرناها على ما ذكرناه.
وأما (لكن) فإنها إذا استعملت بعد النفي جرت مجرى (بل) بعد النفي ، وإذا استعملت بعد الإيجاب لم يجز أن يقع بعدها إلا جملة مضادة للجملة التي قبلها كقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يجئ ، وإنما لم يجز أن تقول : جاءني زيد لكن عمرو ، وتسكت ؛ لأن ذلك يوجب الغلط لما ذكرناه فقد استغني في ذلك ب (بل) إذ لا تحتاج العرب أن تكثر الحروف الموجبة للغلط ، فإذا كان كذلك وجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها ليكونا خبرين مختلفين.
__________________
(١) لم يأت على ذكر الوجه الثاني.
(٢) وذلك مثل قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)[الأنبياء : ٢١ / ٢٦].